Refinement of the Requirement of the Straight Path
تهذيب اقتضاء الصراط المستقيم
Yayıncı
مكتبة دار العلوم
Yayın Yeri
البحيرة (مصر)
Türler
تهذيب كتاب
اقتضاء الصراط المستقيم
لمخالفة أصحاب الجحيم
تأليف
شيخ الإسلام ابن تيمية
هذَّبه وخرَّج أحاديثه
شحاتة صقر
الناشر: مكتبة دار العلوم
البحيرة - أبو حمص - حي الزهور
ت ٠٤٥٢٥٦٩٨٢٦ـ٠١٢٩٧٣٢١٣١
Bilinmeyen sayfa
بسم الله الرحمن الرحيم
جميع الحقوق محفوظة
الناشر: مكتبة دار العلوم
البحيرة - أبو حمص - حي الزهور
ت ٠٤٥٢٥٦٩٨٢٦ـ ٠١٢٩٧٣٢١٣١
1 / 2
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة التهذيب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه، ودعا إلى دينه إلى يوم الدين.
وبعد
فهذا تهذيب لكتاب (اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم) تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀؛ تيسيرًا للاستفادة من هذا الكتاب القيّم الذي قال عنه الشيخ ابن عثيمين ﵀ إنه «أفْيَد ما يكون ولا سيما في الوقت الحاضر» (١)
الموضوع الرئيس للكتاب:
التنبيه على قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام وأصوله، وهي: النهي عن التشبه بالكفار، والأمر بمجانبة هدْيهم على
(١) (*) الشرح الممتع (٢/ ٢٩٧).
1 / 3
العموم، وأعيادهم على الخصوص، وبيان حكمة ذلك، وما جاءت به الشريعة من مخالفة أهل الكتاب والمشركين والأعاجم غير المسلمين ونحوهم، وأصل هذه المسألة في كتاب الله وسنة رسوله ﵌ وهدي السلف الصالح، واستقراء الآثار في ذلك. (١)
منهج تهذيب الكتاب:
١ - اختصاره وعرضه بطريقة منظمة.
٢ - حذف ما جاء في الكتاب من الاستطرادات الفقهية التي ليس لها علاقة بموضوع الكتاب، وكذلك الاستطرادات اللغوية.
٣ - تخريج الآيات القرآنية، وكتابة هذا التخريج بخط صغير ووضعه بعد الآيات مباشرةً، وليس في الهامش، تسهيلًا على القارىء.
٤ - عمل تخريج مختصر للأحاديث والآثار الواردة في هذا التهذيب وذلك بالاستفادة من كتب الشيخ الألباني، وتعليقات الشيخ أحمد شاكر على (المسند) و(تفسير ابن كثير)، وكذلك
(١) (**) من مقدمة الأستاذ الدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل (بتصرف).
1 / 4
الاستفادة من تعليقات الأستاذ الدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل الذي حقق كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم) من خمس نسخ خطية ونسخة مطبوعة أخرجها الشيخ محمد حامد الفقي، وكذلك الاستفادة من الطبعة التي أشرف على تحقيقها الشيخ مصطفى العدوي.
٥ - كتابة هذا التخريج المختصر بخط أصغر من خط الكتاب، ووضعه بعد الأحاديث أو الآثار مباشرةً، وليس في الهامش، تسهيلًا على القارىء.
٦ - وضع بعض العناوين الجانبية من نسخة الأستاذ الدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل.
٧ - تفسير بعض الكلمات بذكر معناها في الهامش.
وأسأل الله العظيم - ربَّ العرش العظيم - أن ينفع به المسلمين، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.
شحاتة محمد صقر
saqrmhm@gawab.com
1 / 5
تهذيب كتاب
اقتضاء الصراط المستقيم
لمخالفة أصحاب الجحيم
تأليف
شيخ الإسلام ابن تيمية
الحمد لله الذي أكمل لنا ديننا وأتم علينا نعمته، ورضي لنا الإسلام دينا، وأمرنا أن نستهديه صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم، غير المغضوب عليهم: اليهود، ولا الضالين: النصارى.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالدين القيم، والملة الحنيفية، وجعله على شريعة من الأمر، أمر باتباعها، وأمره بأن يقول: ﴿هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ [يوسف:١٠٨] صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم تسليمًا.
- قال رسول الله ﷺ: «إن اليهودَ مغضوبٌ عليهم، وإن النصارى ضُلَّال» [رواه الترمذي٣١٤١وحسنه الألباني] وقد دل كتاب الله
1 / 6
على معنى هذا الحديث، قال الله سبحانه: ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللهِ مَن لَّعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ﴾ [المائدة:٦٠] والضمير عائد إلى اليهود، والخطاب معهم كما دل عليه سياق الكلام، وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ ولاَ مِنْهُمْ﴾ [المجادلة:١٤] وهم المنافقون الذين تولوا اليهود، باتفاق أهل التفسير، وسياق الآية يدل عليه.
* وقال تعالى: ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ﴾ [آل عمران:١١٢] وهذا بيان أن اليهود مغضوب عليهم.
* وقال في النصارى: ﴿لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ
1 / 7
ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ﴾ [المائدة:٧٣ - ٧٧] وهذا خطاب للنصارى كما دل عليه السياق، ولهذا نهاهم عن الغلو، وهو مجاوزة الحد. واليهود مقصرون عن الحق، والنصارى غالُون فيه.
كفر اليهود أصله عدم العمل بالعلم، وكفر النصارى أصله عملهم بلا علم
وجماع ذلك: أن كفر اليهود أصله من جهة عدم العمل بعلمهم، فهم يعلمون الحق ولا يتبعونه عملًا، أو لا قولًا ولا عملًا. وكفر النصارى من جهة عملهم بلا علم فهم يجتهدون في أصناف العبادات بلا شريعة من الله، ويقولون على الله ما لا يعلمون.
إخبار الرسول ﷺ أن أمته ستتبع سنن الأمم قبلها
* ومع أن الله قد حذرنا سبيلهم، فقضاؤُه نافذٌ بما أخبر به رسوله، مما سبق في علمه، حيث قال رسول الله ﷺ: «لَتَتَّبِعُنَّ سننَ من كان قبلكم حذو القُذَّة بالقُذَّة، حتى لو دخلوا جُحر ضَب
1 / 8
لَدَخَلْتُموه»، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى، قال: فمن؟» [البخاري٧٣٢٠، مسلم٢٦٦٩،المسند١٧٠٧٠]
* وعن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: «لا تقومُ الساعةُ حتى تأخذَ أمّتي مأخذ القرون، شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع»، فقيل: يا رسول الله، كفارس والروم؟ قال: «ومن الناس إلا أولئك؟» [البخاري٧٣١٩]
فأخبر أنه سيكون في أمته مضاهاة لليهود والنصارى، وهم أهل الكتاب، ومضاهاة لفارس والروم، وهم الأعاجم.
* وقد كان ﷺ ينهى عن التشبه بهؤلاء وهؤلاء، وليس هذا إخبارًا عن جميع الأمة، بل قد تواتر عنه أنه: «لا تزال طائفةٌ من أمته ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة». [البخاري٣٦٤٠، مسلم١٩٢٠] وأخبر ﷺ: «أن الله لا يجمع هذه الأمة على ضلالة» [الترمذي ٢٢٦٩وصححه الألباني]، و«أن الله لا يزال يغرس في هذا الدين غرسًا يستعملهم في طاعته». [ابن ماجه ٨ وحسنه الألباني].
- فعُلِم بخبره الصِّدق أنه في أمته قومٌ مستمسكون بهَدْيه، الذي هو دين الإسلام محضًا، وقوم منحرفون إلى شُعبة من شُعَب
1 / 9
اليهود، أو إلى شعبة من شعب النصارى، وإن كان الرجل لا يكفر بكل انحراف، بل وقد لا يفسق أيضًا، بل قد يكون الانحراف كفرًا، وقد يكون فسقًا، وقد يكون معصية، وقد يكون خطأ. وهذا الانحراف أمر تتقاضاه الطباع ويزينه الشيطان، فلذلك أُمِر العبدُ بدوام دعاء الله سبحانه بالهداية إلى الاستقامة التي لا يهودية فيها ولا نصرانية أصلًا.
بعض أمور أهل الكتاب والأعاجم، التي ابتُلِيَتْ بها هذه الأمة؛ ليجتنب المسلم الحنيف الانحراف عن الصراط المستقيم، إلى صراط المغضوب عليهم، أو الضالين:
١ - قال الله سبحانه: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ [البقرة:١٠٩] فذمَّ اليهودَ على ما حسدوا المؤمنين على الهدى والعلم.
* وقد يُبْتَلَى بعضُ المنتسبين إلى العلم وغيرُهم بنوعٍ من الحسد لمن هداه الله بعلم نافع أو عمل صالح، وهو خُلُق مذموم مطلقا، وهو في هذا الموضع من أخلاق المغضوب عليهم.
1 / 10
٢ - وقال الله سبحانه: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا * الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِه ِ﴾ [النساء٣٦، ٣٧] فوصفهم بالبخل الذي هو البخل بالعلم والبخل بالمال، وإن كان السياق يدل على أن البخل بالعلم هو المقصود الأكبر، فوصف المغضوب عليهم بأنهم يكتمون العلم: تارةً بُخْلًا به، وتارة اعتياضًا عن إظهاره بالدنيا، وتارة خوفًا أن يُحْتَجَّ عليهم بما أظهروه منه.
* وهذا قد يُبتَلَى به طوائف من المنتسبين للعلم، فإنهم تارة يكتمون العلم بُخْلًا به، وكراهة لأن ينال غيرهم من الفضل ما نالوه، وتارة اعتياضًا عنه برئاسة أو مال، فيخاف من إظهاره انتقاص رئاسته أو نقص ماله، وتارة يكون قد خالف غيره في مسألة، أو اعتزى إلى طائفة قد خُولِفت في مسألة، فيكتم من العلم ما فيه حجة لمخالفه وإن لم يتيقن أن مخالفه مُبطِل.
ولهذا قال عبد الرحمن بن مهدي وغيره: «أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم».
٣ - قال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَا
1 / 11
أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمْ﴾ [البقرة:٩١] بعد أن قال: ﴿وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة:٨٩] فوصف اليهود أنهم كانوا يعرفون الحق قبل ظهور الناطق به، والداعي إليه، فلما جاءهم الناطق به من غير طائفة يهوونها لم ينقادوا له، وأنهم لا يقبلون الحق إلا من الطائفة التي هم منتسبون إليها، مع أنهم لا يتبعون ما لزمهم في اعتقادهم.
* وهذا يُبتلى به كثير من المنتسبين إلى طائفة معينة في العلم، أو الدين، من المتفقهة، أو المتصوفة، أو غيرهم، أو إلى رئيس معظم عندهم في الدين - غير النبي ﷺ - فإنهم لا يقبلون من الدين رأيًا ورواية إلا ما جاءت به طائفتهم، ثم إنهم لا يعلمون ما توجبه طائفتهم، مع أن دين الإسلام يوجب إتباع الحق مطلقًا - روايةً ورأيًا - من غير تعيين شخص أو طائفة، غير الرسول ﷺ.
٤ - قال تعالى في صفة المغضوب عليهم: ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ﴾ [النساء:٤٦] والتحريف قد فُسِّر بتحريف التنزيل، وبتحريف التأويل.
1 / 12
* فأما تحريف التأويل فكثير جدًا، وقد ابتليت به طوائف من هذه الأمة.
* وأما تحريف التنزيل فقد وقع في كثير من الناس، يحرفون ألفاظ الرسول، ويروون الحديث بروايات منكرة. وإن كان الجهابذة يدفعون ذلك.
٥ - وقال سبحانه عن النصارى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ﴾ [النساء:١٧١] وقال تعالى: ﴿لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ [المائدة:١٧،٧٢] إلى غير ذلك من المواضع.
* ثم إن الغلو في الأنبياء والصالحين قد وقع في طوائف من ضلال المتعبِّدة والمتصوفة، حتى خالط كثيرًا منهم من مذهب الحلول والإتحاد ما هو أقبح من قول النصارى أو مثله أو دونه.
٦ - قال تعالى: ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ﴾ [التوبة:٣١] وفسره النبي ﷺ لعدي بن حاتم ﵁ بأنهم: أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم، وحرموا عليهم الحلال
1 / 13
فأتبعوهم.» [الترمذي٣٣٠٦وحسنه الألباني]
* وكثير من أتباع المتعبدة يطيع بعض المعظَّمين عنده في كل ما يأمر به وإن تضمن تحليل حرام أو تحريم حلال.
٧ - وقال سبحانه عن الضالين: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللهِ﴾ [الحديد:٢٧]
* وقد ابتُلى طوائف من المسلمين، من الرهبانية المبتدعة بما الله به عليم.
٨ - قال سبحانه: ﴿قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا﴾ [الكهف:٢١] فكان الضالون - بل والمغضوب عليهم - يبنون المساجد على قبور الأنبياء والصالحين، وقد نهى رسول الله ﷺ أمته عن ذلك في غير موطن حتى في وقت مفارقته الدنيا - بأبي هو وأمي.
* ثم إن هذا قد ابتُلِي به كثير من هذه الأمة.
٩ - إن الضالين تجد عامة دينهم إنما يقوم بالأصوات المطربة، والصور الجميلة، فلا يهتمون بأمر دينهم بأكثر من تلحين الأصوات.
1 / 14
* ثم تجد قد ابتليت هذه الأمة من اتخاذ السماع المطرب، بسماع القصائد، وإصلاح القلوب والأحوال به، ما فيه مضاهاة لبعض حال الضالين.
١٠ - وقال سبحانه: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ﴾ [البقرة:١١٣] فأخبر أن كل واحدة من الأمتين تجحد كل ما الأخرى عليه.
* وأنت تجد كثيرًا من المتفقهة، إذا رأى المتصوفة والمتعبدة لا يراهم شيئًا ولا يعدهم إلا جُهَّالًا ضُلَّالًا، ولا يعتقد في طريقهم من العلم والهدى شيئًا، وترى كثيرًا من المتصوفة والمتفقرة لا يرى الشريعة ولا العلم شيئًا، بل يرى المتمسك بها منقطعًا عن الله وأنه ليس عند أهلها مما ينفع عند الله شيئًا.
وإنما الصواب: أن ما جاء به الكتاب والسنة، من هذا وهذا: حق، وما خالف الكتاب والسنة من هذا وهذا: باطل.
١١ - أما مشابهة فارس والروم، فقد دخل في هذه الأمة من الآثار الرومية، قولًا وعملًا، والآثار الفارسية، قولًا وعملًا، ما لا خفاء به على مؤمن عليم بدين الإسلام، وبما حدث فيه.
1 / 15
وليس الغرض هنا تفصيل الأمور التي وقعت في الأمة، مما تضارع (١) طريق المغضوب عليهم أو الضالين، وإن كان بعض ذلك قد يقع مغفورًا لصاحبه: إما لاجتهاد أخطأ فيه، أو لحسنات محت السيئات، أو غير ذلك. وإنما الغرض أن نبين ضرورة العبد وفاقته إلى هداية الصراط المستقيم، وأن ينفتح باب إلى معرفة الانحراف.
الصراط المستقيم أمور باطنة في القلب، وأمور ظاهرة
إن الصراط المستقيم هو أمور باطنة في القلب: من اعتقادات، وإرادات، وغير ذلك، وأمور ظاهرة: من أقوال، أو أفعال قد تكون عبادات، وقد تكون أيضًا عادات في الطعام واللباس، والنكاح والمسكن، والاجتماع والافتراق، والسفر والإقامة، والركوب وغير ذلك.
وهذه الأمور الباطنة والظاهرة بينهما ارتباط ومناسبة، فإن ما يقوم بالقلب من الشعور والحال يوجب أمورًا ظاهرة، وما يقوم بالظاهر من سائر الأعمال، يوجب للقلب شعورًا وأحوالًا.
(١) (*) تضارع: تشابه.
1 / 16
لماذا الأمر بمخالفة اليهود والنصارى في الهدي الظاهر؟
قد بعث الله محمدًا ﷺ بالحكمة التي هي سنته، وهي الشرعة والمنهاج الذي شرعه له فكان من هذه الحكمة أن شرع له من الأعمال والأقوال ما يباين سبيل المغضوب عليهم، والضالين، فأمر بمخالفتهم في الهدي الظاهر، وإن لم يظهر لكثير من الخلق في ذلك مفسدة لأمور منها: ١ - أن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسبًا وتشاكلًا بين المتشابهين، يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال، وهذا أمر محسوس، فإن اللابس ثياب أهل العلم يجد من نفسه نوع انضمام إليهم، واللابس لثياب الجند المقاتلة - مثلًا - يجد من نفسه نوع تخلُّق بأخلاقهم، ويصير طبعه متقاضيًا لذلك، إلا أن يمنعه مانع.
٢ - أن المخالفة في الهدي الظاهر توجب مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب، وأسباب الضلال والانعطاف على أهل الهدى، والرضوان، وتحقق ما قطع الله من الموالاة بين جنده المفلحين وأعدائه الخاسرين.
* وكلما كان القلب أتم حياة، وأعرف بالإسلام كان إحساسه
1 / 17
بمفارقة اليهود والنصارى باطنًا وظاهرًا أتم، وبعده عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين، أشد.
٣ - أن مشاركتهم في الهدي الظاهر، توجب الاختلاط الظاهر، حتى يرتفع التميز ظاهرًا، بين المهديين المرضيين، وبين المغضوب عليهم والضالين.
* هذا، إذا لم يكن ذلك الهدى الظاهر إلا مباحًا محضًا لو تجرد عن مشابهتهم، فأما إن كان من موجبات كفرهم كان شُعبة من شُعَب الكفر، فموافقتهم فيه موافقة في نوع من أنواع معاصيهم. فهذا أصل ينبغي أن يتفطن له.
ذِكْر بعض ما دل، من الكتاب، والسنة، والإجماع، على الأمر بمخالفة الكفار، والنهي عن مشابهتهم في الجملة
أولًا: الاستدلال بالقرآن على النهي عن التشبه بالكافرين:
١ - قال الله سبحانه: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ
1 / 18
رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [الجاثية:١٦ - ١٩]
* أخبر سبحانه، أنه أنعم على بني إسرائيل بنعم الدين والدنيا، وأنهم اختلفوا بعد مجيء العلم بغيًا من بعضهم على بعض. ثم جعل محمدًا ﷺ على شريعة شرعها له، وأمره بإتباعها، ونهاه عن إتباع أهواء الذين لا يعلمون، وقد دخل في الذين لا يعلمون كل من خالف شريعته.
* وأهواؤهم: هو ما يهوونه، وما عليه المشركون من هديهم الظاهر، الذي هو من موجبات دينهم الباطل، وتوابع ذلك فهم يهوونه، وموافقتهم فيه اتباع لما يهوونه؛ ولهذا يفرح الكافرون بموافقة المسلمين في بعض أمورهم، ويسرون به، ويودون أن لو بذلوا مالًا عظيمًا ليحصل ذلك.
٢ - قوله سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا
1 / 19
أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ * وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ﴾ [الجاثية:٣٦، ٣٧] فالضمير في أهوائهم، يعود - والله أعلم - إلى ما تقدم ذكره، وهم الأحزاب الذين ينكرون بعضه، فدخل في ذلك كل من أنكر شيئًا من القرآن: من يهودي، ونصراني، وغيرهما. وقد قال: ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾ ومتابعتهم فيما يختصون به من دينهم وتوابع دينهم، اتباع لأهوائهم، بل يحصل اتباع أهوائهم بما هو دون ذلك.
٣ - قوله تعالى: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾ [البقرة:١٢٠] فانظر كيف قال في الخبر: ﴿مِلَّتَهُمْ﴾ وقال في النهي: ﴿أَهْوَاءهُم﴾؛ لأن القوم لا يرضون إلا بإتباع الملة مطلقًا، والزجر وقع عن إتباع أهوائهم في قليل أو كثير، ومن المعلوم أن متابعتهم في بعض ما هم عليه من الدين، نوع متابعة لهم في بعض ما يهوونه، أو مظنة لمتابعتهم فيما يهوونه.
1 / 20