330

كانت أول من أشعل في طريقي مصباح الفكر، وأول من هداني إلى مروج الخيال، بل كانت أول من استغواني، فتغلغلنا في أدغال الشك، وخرجنا منها إلى بساتين اليقين

قالت عندما كلمتها: نعم، ثم قالت: لا راحة لك معي ولا خير في حياتك بدوني، فقلت: لا راحة لي دونك، ولا خير براحة بعيدة عنك

هي عشيقتي المقصودة، وإلهتي المعبودة، ورفيقتي النصوحة الودودة

قبلنا قسمتنا كما نقبل الشمس، وكما نقبل السموم، دون أن نمجد الأولى كل يوم، أو نشكو الثانية كلما قامت تصيح وتنوح

أقمنا في بلاد الغربة زمنا خبرنا فيه هناك حلو الحب، ومر الجهاد

ثم رحلت، والشرق محجتي، وبلاد العرب منها قبلتي السعيدة، سافرت من نيويورك وحدي، ولكني، عندما مرت الباخرة بتمثال الحرية، أحسست بيد تستوقفني، وبصوت يعيد إلي الذكرى، ويلحفني بالخجل والعار

هو صوتها، وهو وجهها، وقد ازداد نورا وجمالا •••

قالت - وهي تبتسم: أفلا تخجل من نفسك؟ أتسافر وحدك إلى البلاد العربية؟

قلت: أخشى عليك منها؛ من وعورة المسلك فيها، من جمود الأفكار، من تجهم النفوس، من تعدد المذاهب، من وحشية البدو، من ترفض الحضر

فقالت - والحنق يشعل لهجتها: أيعجزني ما لا يعجزك؟ لا والله

Bilinmeyen sayfa