وممَّا أعان عليَّ الزمانَ ... عَفافُ يدِي وعُلُوُّ الهِمَمْ
والرُّؤساء شعراء لا ينظِمون ولا ينثرون، وما فيهم مِن صفاتِ الشُّعراء إلا أنَّهم يقولون ما لا يفعلون، وإذا كذَب مادحٌ أحدَهم اهْتزَّ وطرِب، وجَازَى مِن سَراب وعدِه بكذِب على كذِب، وبالوعد القَطير لا يخَّمر الخَمِير.
وبأحْسَنْتَ لا يُباع الشَّعيرُ
وبرَعْد الوعد، لا يْسقَى غَرس الحمد
فلا تلوموه في وَعدِ يُردِّدُه ... في وقتِ مدْحِي له علَّمْتُه الكذِباَ
ومع هذا، فكم هبَّتْ لهم أنفاسٌ معطَّرةٌ بالنجاح، مُزْرِية في وقتها بأنفَاس الصَّبا في الصَّباح، يُهزّ السَّماحُ هِيف معاطِفِه، وينشرُ تحت أقدامِها الزمانُ بِساطَ عواطفِه، تتمسَّك كف الشَّمال بأذْيالها، وتتفيَّأ العشَّاقُ في هجير الأشواق ضَافِيَ ظلالها، وترِدُ صافيَ زُلالِها، مِن كلِّ حديثٍ تَلِيد وطارِف، له وَشْيٌ كوَشْيِ المطارِف، تزهُو به الطُّروس على صفحاتِ الخدود المُحَسَّنات بالسَّوالِف، في كل ورَقةٍ منها خمائل، تسوغُ مياهُ فصاحتِها في لَهَواتِ الجداول.
تكادُ يدِي تنْدَى إذا ما لمستُها ... وينبُتُ في أطْرافِها الورقُ الخضْرُ
مِن كل مَن ألحق المتأخِّر بالمتقدِّم في تطْبيق مفاصِل معانِيه، وإخراج مُخَبَّآتِ عِطْره من جُونَة مبانِيه، وإن تأخَّر عصرُه فلا بَاس، في تأخُّرِ النتيجة عن القِياس، والخدمُ تتقدَّم بين السَّادة، والسُّنَن أُمِر بتقيمها على الفروضِ في العبادة، وتقدُّم الآحاد، يرقي مرتبة الأَعداد.
1 / 6