133

حكاية:

من النعم والألطاف التى سبغها الله تعالى على هارون الرشيد، فواحدة منها أن كان له وزير آية فى الكرم واللطف والخلق والحلم هو وأبناؤه، وكان ليحيى بن خالد البرمكى أربعة أبناء: فضل، وجعفر، ومحمد، وموسى. فكان الفضل وجعفر وزيران ومحمد وموسى أميران، وكانت لهم الولايات، ولم يكن لأى وزير فى التاريخ مثل هذا الثراء الذى كان للبرامكة، وكان سبب غضب الرشيد على البرامكة، أنه كان يحب جعفر بن يحيى حبا إلى أبعد غاية، حتى إنه لم يكن يطيق صبرا على فراقه لحظة، وكان لهارون أخت تسمى العباسة، وكانت مشغوفة به، ولم تكن أن تتخلف عن هارون بأى حال، وكان إذا جلس هارون فى الحرم بمجلس طرب لم تتخلف عن خدمته فى أى حال، وكان جعفر يطلبها فى الخلوة، وكان يتحاشى الدخول بسببها، حتى قال هارون ذات يوم: أعلم سبب امتناع جعفر عن مجلسنا والسبب العباسة والوحشة فى مجلسى بسببها، ولكننى أزوجك إياها بشرط أن لا يكون بينكما سوى الكلام، وعلى ألا يكون بينكما مزاح، ولا أى اجتماع قط، وأقصد هذا السبب ما دمت أنت محرما لها فيمكنك أن تدخل فى مجلس الحرم بلا تكلف ولا تحرج. وانعقد بينهما عقد الزواج بعد ذلك، وجلس جعفر فى مجلس أمير المؤمنين بلا كلفة، وكان يتحدث مع العباسة ولكنه استاء من شى ء، وهو أن الخاتم لم يكن فى إصبع من أصابعه، ومهما كان يصنع الواحد منهم فى سمع الآخر حلو الكلام من وعاء الحلوى، إلا إنهم لم يستطيعوا أن يضعوا رطب الطرب فى قدح الفرح، وكان جعفر وسيما، وقد وضعت العباسة حرقة عشقه فى المقلاة والطاس، حتى سكر من خمر الهوى، وأرسلت إليه رسالة تقول فيها: تعال لأجنى من شجرة وصالك ثمرة الروح، فأنا من شدة العشق مثل التفاحة التى تتألف من شقين، ولما وصلت هذه الرسالة إلى جعفر أرسل جوابا يقول فيه:

شعر

من ذا الذى لا يريد أن تكون روحه

ومعشوقته الظاهرة والخفية

Sayfa 158