شهواتها التي في نيلها رَدَاها، ومَنَعَها من الركون إلى لذاتها، ومطالبةِ ما استدعتْه العيونُ الطامحةُ بلحظاتها؛ لتنالَ نصيبَها من كرامتِه وثوابِه موفَّرًا كاملًا، وتلتذَّ آجلًا بأضعاف ما تَركَتْه لله عاجلًا، وأمرَها بالصيام عن محارمه؛ ليكون فطرُها عنده يومَ لقائِه، وأخبرها أنَّ معظمَ نهار الصيام قد ذهب، وأنَّ عيدَ اللقاءِ قد اقترب، فلا يَطولُ عليها الأمدُ باستبطائه.
فمَا هي إلا سَاعةٌ ثمَّ تَنْقَضِي ... ويَذهبُ هَذا كُلُّه ويَزُولُ (^١)
هيَّأها لأمرٍ عظيم، وأعدَّها لخَطْبٍ جَسيم، وذَخَرَ لها ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعتْ، ولا خَطَرَ على قلبِ بشرٍ من النعيم المقيم (^٢). واقتضَتْ حكمتُه البالغةُ أنَّها لا تَصِلُ إليه إلا من طريق المَكاره والنَّصَب، ولا تَعبُرُ إليه إلا عَلَى جِسْرِ المشقَّةِ والتَّعب، فحَجَبه بالمكروهات صِيانةً له عن الأنفس الدنيّات، المُؤْثِرة للرذائل والسُّفليَّات، وشمَّرت إليه النفوسُ العُلْويَّات، والهممُ العليّات، فامتطَتْ في السير إليه ظهورَ [٣ أ] العَزَمات (^٣)، فسارت في ظهورها إلى أشرف الغايات:
_________
(^١) ذكره المؤلف في «بدائع الفوائد» (٢/ ٦٧٢) بلا نسبة. وللبهاء زهير بيت يشبهه في ديوانه (ص ٢١٠).
(^٢) كما في الحديث الذي أخرجه البخاري (٣٢٤٤) ومسلم (٢٨٢٤) عن أبي هريرة.
(^٣) «والهمم .. العزمات» ساقطة من ش.
1 / 9