أم عبد الرحمن بن عوف، وهي أول الناس إسلامًا بعد الصديق ﵂، فخديجة وعلي، ﵁ ومما يدل على ذلك حديثها أخرج أبو نعيم حديث الشفاء، قالت: لما ولد ﷺ وقع على يديه فاستهل فسمعت قائلًا يقول: رحمك الله ورحم بك. قالت الشفاء: وكنت جالسة عند آمنة، وأسمع كلام الهاتف، فأضاء لي ما بين المشرق والمغرب حتى نظرت إلى بعض قصور الروم، ثم أضجعته ﷺ فلم أنشب أن غشيتني ظلمة ورعب وقشعريرة عن يميني، وسمعت قائلًا يقول: أين ذهبت به؟ قلت إلى المغرب: وأسفر ذلك عني، ثم عاودني عن يساري فسمعت قائلًا يقول أين ذهبت به؟ قلت إلى المشرق، قالت الشفاء ﵂: فلم يزل الحديث مني على بال حتى ابتعثه الله رسولًا فكنت في أول الناس إسلامًا. هكذا ذكر في "السيرة الحلبية" الشفاء بالفتح والتشديد، والكسر للفاء مخففًا، وروي في "شرح ذات الشفاء" في رواية: كانت عندها الشفاء أم عبد الرحمن ﵂، قالت: فوقع ﷺ لما ولد على يدي فاستهل، فسمعت قائلًا يقول: يرحمك الله أو يرحمك ربك، وفي رواية: أنه ﷺ عطس حين سقط فشمتته الملائكة. وقيل: إنه صلى الله تعالى عليه وسلم حمد الله بعد العطاس، وقال العلامة والحبر الفهامة السيوطي: لم أقف على حديث يدل على أنه عطس عند الولادة. وأما ما ذكرت آمنة من قولها: كنت وحدي حين أتاني الطلق فقد يجوز الجمع بين هذا وبين قول الشفاء، فإن كانت آمنة أول الطلق وحدها، ثم دخلت عليها الشفاء حين الوضع فرأت من كرامته صلى الله تعالى عليه وسلم ما رأت. الشفاء هي أم عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة، وروي عن رسول الله ﷺ أنه قال: "عبد الرحمن بن عوف سيد من سادات المسلمين" توفي في سنة اثنين وثلاثين ولم أقف على عام وفاة أمه الشفاء والله ﷾ أعلم.
[١٧]
ثويبة الإسلمية
مولاة أبي لهب. قال ابن سيد الناس: أسلمت ثويبة ولم تهاجر ومن الناس من ينكر إسلامها، وقد ألف في إسلامها علاء الدين مغلطاي جزءًا ثم ذكر في سيرته: أن ابن حبان صحح حديثًا دل على إسلامها، وقد أثبت ابن منده إسلامها. وذكر في "الخصائص" أنه لم ترضعه ﷺ مرضعة إلا أسلمت، وكان إرضاعها له ﷺ بلبن ابن لها اسمه مسروح وقال جماعة بإسلامه، وقيل مات على الكفر، وقيل: قبل النبوة، وكانت أرضعت قبل النبي ﷺ أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وهو ابن عم النبي ﷺ وكان أبو سفيان يألف النبي ﷺ قبل النبوة وعاداه بعدها وهجره وهجاه، ثم أسلم وعاد إلى مودته، ووقف مع النبي ﷺ المواقف العظيمة، ولما عاد أبو سفيان منهزمًا يوم بدر لقيه عمه أبو لهب وقال له: ما وراءك؟ قال: البلايا والرزايا، ما هو إلا أن لقينا القوم حتى منحناهم أكتافنا يأسرون ويقتلون كما شاءوا ولما أسلم أبو سفيان قربه النبي ﷺ وأدناه لأنه ابن عمه، ولما توفي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، رثاه أبو سفيان ابن الحرث فقال:
أرقتُ فباتَ ليلي لا يزولُ ... وليلُ أخي المصيبةِ فيه طولُ
وأسعدني البكاءُ وذاكَ فيما ... أصيبَ المسلمونَ بهِ قليلُ
لقد عظمت مصيبتنا وجلّت ... عشيّة قيلَ قد قبضَ الرسولُ
وأضحت أرضنا ما عراها ... تكادُ بنا جوانبها تميلُ
فقدنا الوحي والتنزيلَ فينا ... يروحُ به ويغدو جبرائيلُ
وذاكَ أحقُّ ما سالت عليهِ ... نفوسُ النّاسِ أو كادت تسيلُ
نبيٌّ كانَ يجلو الشّكَّ عنّا ... بما يوحى إليه وما يقولُ
ويهدينا فلا يخشى علينا ... ضلالًا، والرسولُ لنا دليلُ
أفاطمُ إن جزعتِ فذاكَ عذرٌ ... وإن لم تجزعي ذاك السّبيلُ
فقبرُ أبيكِ سيّدُ كلِّ قبرٍ ... وفيه سيّدُ النّاسِ الرسولُ
وتوفي أبو سفيان ﵁ سنة عشرين وكان أخا رسول الله ﷺ من الرضاع، وكان أولا صديقًا لرسول الله ثم عاداه، وهجاه، فأجابه حسان ﵁، بقوله:
ألا بلّغ أبا سفيانَ عنّي ... مغلغلةً فقد برحَ الجفاءُ
1 / 37