وروى الطبراني أنه ﷺ لما وقع على الأرض وقع مقبوضة أصابع يده مشيرًا كالمسبح بها، وفي رواية عن ابن سعد: وقع على يده رافعًا رأسه إلى السماء وقبض قبضة من تراب فبلغ ذلك بعض العرب فقال: لئن صدق الفال ليغلبن هذا المولود أهل الأرض، وفي رواية: أنه ﷺ وقع على كفيه وركبتيه شاخصًا بصره إلى السماء. وروى ابن الجوزي عن ابن البراء قال: قالت آمنة: وجدته جاثيًا على ركبتيه ينظر إلى السماء ثم قبض قبضة من الأرض وأهوى ساجدًا.
وفي "شرح البخاري" أنه ﷺ تكلم أول ما ولد. وذكر صاحب "الخصائص": أن مهده ﷺ كان يتحرك بتحريك الملائكة، وأن أول كلامه قوله: الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرًا. وذكر في السير: ورأت آمنة عند ولادته نورا خرج منها أضاءت له قصور الشام، وفي رواية: حتى رأيت أعناق الإبل ببصرى. وإلى ذلك أشار عمه العباس بقوله من أبيات:
وأنتَ لمّا ولدتَ أشرقتِ ال ... أرضُ وضاءت بنورك الأفقُ
فنحنُ في ذلكَ الضّياءِ وفي ... النُّورِ سبيلَ الرّشادِ نخترقُ
وذكر أهل السير: أنه لما كانت الليلة التي ولد فيها ﷺ ارتج إيوان كسرى وانشق وانصدع وسقط منه أربع عشرة شرفة، وكان له شرفات كثيرة، فلما أصبح كسرى أجزعه ما رأى فجمع وزراءه يتحدثون في شأن الإيوان فجاءهم الخبر بخمود النيران ولم تكن تخمد من ألف عام، فازدادوا غمًا، ودخل عليهم المؤبذان عالم الفرس وخادم النيران، وقص عليهم رؤيا رآها وهي كأن إبلًا صعابًا تقود خيلًا عرابا قد عبرت دجلة وانتشرت في بلادهم، ثم ورد على كسرى كتاب صاحب طبرية يخبره أن الماء لم يجر في بحريتها ثم ورد كتاب صاحب الشام يخبره بإفاضة وادي سماوة، فلما رأى ذلك كسرى داخله الفزع والجزع فأرسل إلى النعمان يأمره أن يرسل رجلًا من علمائهم، فأرسل له بعد المسيح الغساني وعمره مائة وخمسون سنة، فلما دخل على كسرى حدثه بما رآى وما سمع، فدله على خاله سطيح وهو بالشام، وكان عمره إذ ذاك ثلاثمائة سنة، وقيل: سبعمائة، وكان جسدًا بلا جوارح وكان وجهه في صدره، وليس له رأس ولا عنق، وهو مثل الضرف تطوى رجلاه ويداه، وإذا أريدت أخباره يحرك فينفتح ويمتلئ ويعلوه النفس، ويجلس إذا غضب، فيخبر عما يسأل وهو أول كاهن في العرب، فأمر كسرى عبد المسيح بالمسير إلى سطيح، فسار ولما دخل على سطيح، ناداه سطيح: يا عبد المسيح أقبل على جمل مشيح إلى سطيح، وقد وافى على الضريح، بعثك ملك ساسان لاتجاج الإيوان وخمود النيران، ورؤيا المؤبذان، رأى إبلًا صعابا، تقود خيلًا عرابا، وقد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها، يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة وظهر صاحب الهرواة، وغاضت بحيرة سماوة وخمدت نار فارس، فليست بابل للفرس مقاما ولا الشام لسطيح شاما، يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات وكل ما هو آتٍ آت. ثم مات سطيح من ساعته، فنهض عبد المسيح بعد موت سطيح إلى راحلته، وجعل ينشد ويقول شعرًا:
شمّر فإنَّكَ ماضي العزمِ شمّيرُ ... ولا يغرّنّكَ تفريقٌ وتغييرُ
والنّاسُ أولادُ علاّتٍ فمن علموا ... أن قد أقلَّ فمحقورٌ ومهجورُ
وهم بنوا ألامّ إمّا أن رأوا نشبًا ... فذاك بالغيبِ محفوظٌ ومنظور
والخيرُ والشّرُ مقرونانِ في قرنِ ... فالخيرُ متّبعٌ والشّرُّ محذورُ
وسار فلما دخل على كسرى أخبره بما قال له سطيح، فقال كسرى: إلى أن يملك أربعة عشر ملكًا كانت أمور وأمور، فملك منهم عشرة في أربع سنين، وملك الباقون إلى خلافة عثمان ﵁ وقول سطيح، ملكات، المراد بها: بوران وأختها أرزمي بخت بنتا برويز كسرى.
1 / 30