قال أحمد: قد يجب أن تعلم أن الشىء المركب إنما يرده إلى التساوى التغاير والانتقال من حالة إلى أخرى. فالجرم الشبيه بعضه ببعض المتفق الأجزاء كالذهب والياقوت لا يقبل ما يغيره عن ذاته. وإذا كان كذلك فهو ثابت على حالته لا يزول عن هيئته. فهو لا يرد إلى التساوى إلا برده إلى حد ما يقبل التغاير ويسرع فيه الفساد من أركان الطبيعة. فقد تضاعف فى رده إلى التساوى بالعمل إذ كان رده إلى حد الطبيعة المضمحلة يوازى رده من حد الطبيعة إلى حد التساوى.
قال أفلاطون: فما كان استحالته من الماء كان صقيلا، وما كان من الأرض كان قابلا للإذابة.
قال أحمد: الاستحالات يكون أكثرها من الماء والأرض بالنار والهواء، لأن الهواء والنار الركنان الفاعلان، والماء والأرض الركنان اللذان يجرى عليهما أكثر الفعل. فيقول الفيلسوف إن الجواهر الصقيلة كالياقوت والزبرجد والبجادى وغير ذلك من الجواهر الصقيلة استحالتها من جوهر الماء جوهر صقيل راد الصورة. وهذه الجواهر أيضا كذلك والجواهر القابلة للإذابة كالذهب والفضة والنحاس استحالتها من جوهر الأرض، فهى مجانسة للنار من أحد الطرفين، فصارت أقبل لتدبيره، إذ كان النار أحد طرفيه اليبس، والأرض أيضا كذلك، والماء والنار متنافران من الطرفين جميعا.
قال أفلاطون: وليس الاستحالة فى الأركان من هذين، بل بالاستيلاء.
قال أحمد: قد آن للطالب — بتكريرى القول فى علل الطبيعة — أن لا يخفى عليه كلام الفيلسوف هذا. فمراده أن يعلمنا أنه ليس الاستحالات من الماء والأرض دون الهواء والنار، إذ الأركان مداخلة بعضها لبعض. فما استحال من شىء فإنما يستحيل من الأربعة. فإذا نحن قلنا: استحال من الماء أو من الأرض فإنما نعنى به الجزء الغالب عليه الماء والأرض.
قال أفلاطون: فلا تزال الأركان كذلك تختلف وتتغاير وهى فى كل الحالات تنحل منها الأجزاء.
قال أحمد: إن الجرم إذا انتقل من هيئة إلى هيئة فلا يخلو أن ينحل منه الجزء الذى يصير إلى العالم العلوى، وإن كان ما يرسب أكثر.
Sayfa 220