Rasail
رسائل الجاحظ: وهي رسائل منتقاة من كتب للجاحظ لم تنشر قبل الآن
Türler
صلى الله عليه وسلم
بها. وهذه الحجة لا تخص أبا بكر وحده؛ لأن عليا أقام معه هذه المدة وكذلك طلحة وزيد وعبد الرحمن وبلال وغيرهم، وقد كان الواجب عليه أن يخص أبا بكر وحده بحجة تدل على أنه كان أغلظ الجماعة وأشدهم محنة بعد رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، فالاحتجاج في نفسه فاسد. ثم يقال له: ما بالك أهملت أمر مبيت علي على الفراش بمكة ليلة الهجرة؟ هل نسيته أم تناسيته؟ فإنها المحنة العظيمة والفضيلة الشريفة التي متى امتحنها الناظر وأجال فكره فيها رأى تحتها فضائل متفرقة ومناقب متغايرة؛ وذلك أنه لما استقر الخبر عند المشركين أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
مجمع على الخروج من بينهم للهجرة إلى غيرهم قصدوا معاجلته وتعاقدوا على أن يبيتوه في فراشه وأن يضربوه بأسياف كثيرة بيد كل صاحب قبيلة من قريش سيف منها ليضيع دمه بين الشعوب ويتفرق بين القبائل، ولا يطلب بنو هاشم بدمه قبيلة واحدة بعينها من بطون قريش، وتحالفوا على تلك الليلة واجتمعوا عليها. فلما علم رسول الله
صلى الله عليه وسلم
ذلك من أمرهم دعا أوثق الناس عنده وأمثلهم في نفسه وأبذلهم في ذات الله لمهجته وأسرعهم إجابة إلى طاعته، فقال له: إن قريشا قد تحالفت على أن تبيتني هذه الليلة، فامض إلى فراشي ونم في مضجعي والتف في بردي الحضرمي ليروا أني لم أخرج، وإني خارج إن شاء الله. فمنعه أولا من التحرز وإعمال الحيلة، وصده عن الاستظهار لنفسه بنوع من أنواع المكايد والجهات التي يحتاط بها الناس لنفوسهم، وألجأه إلى أن يعرض نفسه لظبات السيوف الشحيذة من أيدي أرباب الحنق والضغينة. فأجاب إلى ذلك سامعا مطيعا طيبة بها نفسه، ونام على فراشه صابرا محتسبا واقيا له بمهجته، ينتظر القتل. ولا نعلم فوق بذل النفس درجة يلتمسها صابر ولا يبلغها طالب، والجود بالنفس أقصى غاية الجود. ولولا أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
علم أنه أهل لذلك لما أهله، ولو كان عنده نقص في صبره أو في شجاعته أو في مناصحته لابن عمه واختير لذلك لكان من اختاره
صلى الله عليه وسلم
Bilinmeyen sayfa