قلت: والبيت المشار إليه بقيت منه بعض أحجار ضخمة في زاويته الغربية تقوم اليوم عليها مدرسة آل سعد الكرام، الذين أنجبوا للبنان رجالا من أعظم مفاخره؛ وهم أبناء أعمام الشدايقة.
أما رواية طنوس أخي الفارياق فنستنتج منها ما يأتي:
إما أن يكون التاريخ الشائع عن ولادة فارس 1804 صحيحا، فيجب عندئذ أن تكون هذه الولادة في الحدث وطن الشدايقة الذي لجئوا إليه سنة 1737، وإما أن يكون الفارياق قد ولد في عشقوت حقا موطن أجداده سابقا، فيجب أن يكون تاريخ هذه الولادة إذن سنة 1805 على الأقل؛ أي بعد أن استدعى المير الشهابي والده لخدمته «وأمره أن يتوطن في كسروان». وإني أرجح هذا التقدير الأخير، ولا بأس أن نذكر بالمناسبة المأساة التي سببت نزوح بني الشدياق إلى الحدث، بعد أن كانوا قد نزحوا من مزرعة بيت قصاص إلى عشقوت وتوطنوها منذ سنة 1650، واستقروا فيها ثماني وثمانين سنة.
قال مؤرخهم طنوس: «... وسنة 1737 طلب الأمير ملحم حيدر شهاب «حاكم لبنان» من الشدياق أن يقرضه قليلا من المال، فاعتذر بأنه معسر، وفي غضون ذلك اشترت زوجة الشدياق بستانا من ثمن مصاغها، فقال أحد حساده للأمير: ها إن الشدياق اشترى بستانا ودفع ثمنه بعد طلبك منه القرض، فكيف يعتذر ويدعي الإعسار؟ فغضب الأمير عليه مصدقا كلام الوشاة، ومن غير أن يسأله عن الكيفية وضعه في محرس منفردا، فاغتاظ الشدياق من ذلك جدا حتى إنه ذات يوم وهو في الكنيف ضرب بطنه بسكين فخرقه، فأغمي عليه، فلما أبطأ كشفه الحارس فرآه مطروحا على الأرض، فمضى مسرعا وأعلم الأمير، فأمر «الشهابي» أن يحضروا له طبيبا، فحضر فعالجه فلم يشف، بل توفي وله ولدان: ضاهر وخطار، فتأسف الأمير عليه؛ لأنه كان ذكي الفؤاد، نافعا له بحسن تدبيره، شجاعا، حسن الخط والإنشاء، بارعا في الحساب. بقي مدبرا عند والده
6
سبع سنين، وعنده ثماني سنين. وإذ لم يتأكد براءته قبض على ولديه ضاهر وخطار وابن أخيه منصور، وضبط مالهم وخيلهم وسلاحهم، ثم أمر بإطلاقهم وإرجاع بعض عقاراتهم، ووهب داري الشدياق وابن أخيه منصور في عشقوت للشيخ ابن صليبي مرعب الخازن، فارتحل منصور إلى حارة حدث بيروت ببعض أقاربه فتوطنوها ...»
7
قلت: ومنصور هذا، ابن أخي الشدياق المذكور، هو جد الفارياق لوالده يوسف.
البطرك مسعد والفارياق
أما القصة التي نقلتموها عما جرى بين الفارياق وابن خاله البطرك بولس مسعد في عاصمة آل عثمان، فيلزمها بعض التصحيح، والذي أعرفه وقد سمعته مرارا من عجوزات الشدايقة؛ أي من عمات والدتي اللواتي ربيت في أحضانهن، ومن بنات أعمامهن اللواتي مرحت طفلا في بيوتهن، أن ابن عمهن فارسا هو الذي سعى لدى أولي الأمر في العاصمة، «وقد كان من مسموعي الكلمة عندهم، ومن المقربين إلى الباب العالي» باستئجار قصر للبطرك القادم إلى إسلامبول قبالة قصره، فلما حل رئيس الموارنة في جواره نهض أحمد فارس مبكرا، وأخذ «يشوبح»
Bilinmeyen sayfa