عادل زعيتر
الرسالة الأولى
حول الكويكر
لقد رأيت أن مذهب أمة فريدة كتلك وتاريخها يستحقان فضول رجل عاقل، وقد أردت أن أكون على بينة من ذلك، فذهبت للقاء رجل من أشهر الكويكر بإنكلترة زاول التجارة ثلاثين عاما فاستطاع بعد ذلك أن يضع حدودا لنصيبه ورغائبه، وانزوى في ريف قريب من لندن، وبحثت عنه في ملجئه فوجدت هذا الملجأ منزلا صغيرا، ولكن مع حسن بناء وكثرة نظافة وعطل من الزخرف، وكان الكويكري شيخا ناضرا لم يعرف المرض إليه سبيلا؛ وذلك لأنه لم يعرف ألما ولا نهما، ولم أبصر في حياتي قط من هو أعظم منه نبلا وأشد جذبا، وقد كان مرتديا كجميع أبناء نحلته رداء بلا مطاو في الأطراف، وبلا أزرار على الجيوب والأكمام، وقد كان لابسا قبعة كبيرة ذات حافات منخفضة كالتي يلبسها قساوستنا، ويستقبلني وقبعته على رأسه، ويتقدم نحوي من غير أن يقوم بأقل حنو لبدنه، ولكن ما تنم عليه طلاقة وجهه وبشاشة محياه من أدب أعظم مما جرت عليه العادة من تأخير ساق عن ساق ومن حمل اليد ما صنع لستر الرأس، قال لي الكويكري:
أراك غريبا يا صاحبي، وما عليك إلا أن تقول لي حتى أقوم بخدمة لك ما استطعت.
وأحني جسمي، وأقدم قدما نحوه وفق عادتنا، وأقول له: «تحدثني نفسي، يا سيدي، بأنك لا تضيق ذرعا بفضولي الصادق، فلا تضن علي بمنحي شرف الاطلاع على دينك.»
ويجيب عن ذلك بقوله: «أجل، إن أبناء بلدك يبدون كثيرا من المجاملة والإكرام، ولكني لم أر بعد من أظهر منهم مثل فضولك، فادخل، ولنتغد معا قبل كل شيء.»
وآتى بمجاملة سيئة أيضا، فالإنسان لا يترك عاداته دفعة واحدة، وذلك أنني، بعد أن تناولنا طعاما بسيطا طيبا بدئ بالصلاة لله وختم بالدعاء له، أخذت في سؤال صاحبي، سائرا على غرار الكاثوليك الصالحين في طرحهم السؤال الآتي على الهوغنو غير مرة، فقلت له: «هل عمدت يا سيدي العزيز؟»
الكويكري مجيبا: «كلا، وكذلك زملائي لم يعمدوا قط.»
وأعود فأسأل: «خيرا، أنتم لستم نصارى إذن؟»
Bilinmeyen sayfa