وكذلك فإن الشريعة التي يحكم بها في هذا الشعب هي أقدم شرائع العالم وأكملها، وهي الوحيدة التي حفظت دائما، في إحدى الدول بلا انقطاع، وهذا ما أثبته اليهودي فيلون في مواضع كثيرة، وهذا ما رد به يوسف على أبيون فبين أن هذه الشريعة هي من القدم ما لم يعرف الأقدمون اسم الشريعة معه إلا بعد ألف سنة، حتى إن أوميرس الذي تكلم عن كثير من الأمم لم يستعمل هذا الاسم قط، ومن السهل أن يحكم في كمالها بمطالعتها، فبها يرى أنها بلغت من معالجة جميع الأمور بحكمة عظيمة وإنصاف كبير وحسن حكم ما اقتبس معه مشترعو اليونان والرومان الأقدمون قوانينهم الرئيسة منها عندما نالوا شيئا من نورها، وهذا ظاهر من القوانين التي أطلقوا عليها اسم الألواح الاثني عشر، ومن الأدلة الأخرى التي قدمها يوسف.
إن من الخطأ الكبير أن يذهب إلى أن شريعة اليهود أقدم الشرائع، ما داموا قد أقاموا بمصر قبل مشترعهم؛ موسى؛ أي بهذا البلد الذي هو أكثر بلاد العالم اشتهارا بقوانينه الرشيدة.
ومن الخطأ الكبير أن يذهب إلى أن اسم الشريعة لم يعرف إلا بعد أوميرس، فهو قد تكلم عن شرائع مينوس، وتجد كلمة شريعة في هزيود، حتى إن عدم وجود كلمة شريعة في هزيود أو أوميرس لا يدل على شيء، فقد كان يوجد ملوك وقضاة؛ ولذا كانت توجد شرائع.
ومن الخطأ الكبير أيضا أن يذهب إلى أن الأغارقة والرومان اقتبسوا قوانين من اليهود، فلا يمكن أن يكون هذا في أوائل جمهوريتهم؛ وذلك لأنهم ما كانوا ليعرفوا أمر اليهود في ذلك الحين، ولا يمكن أن يكون هذا في إبان عظمتهم؛ وذلك لأنهم كانوا يزدرون هذا الشعب ازدراء معروفا في جميع العالم. (9)
ويثير هذا الشعب عجبنا بإخلاصه، فقد حافظ هؤلاء القوم محافظة ود ووفاء على الكتاب الذي صرح موسى فيه بأنهم كافرون بنعمة الله دائما، وبأنه يعلم أنهم سيبقون هكذا بعد موته، ولكن مع دعوة السماء والأرض أن تكونا شاهدتين عليهم، ومع تبليغهم هذا بما فيه الكفاية، وبأن الله سيغضب عليهم في آخر الأمر، فيفرق شملهم بين جميع أمم الدنيا، وبأنهم إذا أغضبوه بعبادتهم آلهة - لم يكونوا آلهة لهم قط - فإنه سيغضبهم بدعوته قوما لم يكونوا قومه قط، ومع ذلك فإنهم يحافظون على هذا الكتاب الذي يفضحهم على وجوه كثيرة ويفدونه بحياتهم، وهذا إخلاص لا مثيل له في العالم ولا أصل له في الطبيعة.
تجد لهذا الإخلاص أمثلة في كل مكان، وليس أصله في غير الطبيعة، فزهو كل يهودي يحمله على الاعتقاد بأن غضب الله هو سبب عقابه، لا كون سياسته الفاسدة، ولا جهله للمهن، ولا غلظته، علة ضياعه، وهو يرى - مع القناعة - أنه كان لا بد من الخوارق حتى يهد ، وأن شعبه حبيب الرب الذي يجازيه.
وليصعد واعظ في المنبر وليقل للفرنسيين: «أنتم مساكين، لا قلب لكم، ولا هدى عندكم، فهزمتهم في هوستد وراملي؛ لعدم معرفتكم أن تدافعوا عن أنفسكم»؛ ليبصر رجمهم إياه. ولكنه إذا ما قال لهم: «أنتم كاثوليك أعزة على الرب، فأغضبت خطاياكم الشائبة ربكم الأزلي الذي سلمكم إلى الملاحدة في هوستد وراملي، ولكنكم عندما تبتم إلى الله بارك شجاعتكم في دينان.» حببته هذه الكلمات لدى الحضور. (10)
إذا ما وجد إله واحد وجب ألا يحب غيره، لا مخلوقاته.
يجب حب المخلوقات حب حنان، ويجب على الإنسان أن يحب وطنه وامرأته وأباه وأولاده، ويجب أن يحبوا كثيرا ما دام الرب قد حببهم إلينا على الرغم منا، ولا تصلح المبادئ المباينة لغير صنع برابرة مبرهنين. (11)
ونولد بغاة ما دام كل واحد يميل إلى نفسه، وهذا خلاف كل نظام، فيجب الميل إلى العام، فميل الإنسان إلى نفسه بدء كل اختلال في الحرب والضابطة والاقتصاد، إلخ.
Bilinmeyen sayfa