بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلاته على عباده الذين اصطفى.

وبعد:

سأل سائل فقال: أخبروني عما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " من مات وهو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، (1) هل هو ثابت صحيح أم هو معتل سقيم؟

الجواب - وبالله التوفيق والثقة -:

Sayfa 11

قيل له: بل هو خبر صحيح يشهد له إجماع أهل الآثار ويقوي معناه صريح القرآن، حيث يقول جل اسمه <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي /القرآن-الكريم/17/17" target="_blank" title="الإسراء 17">﴿يوم ندعو كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرأون كتابهم ولا يظلمون فتيلا﴾</a> (٢) وقوله تعالى <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/4/4" target="_blank" title="النساء 4">﴿فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا﴾</a> (٣) وآي كثيرة من القرآن.

فإن قال: فإذا كان الخبر صحيحا كيف يصح قولكم في غيبة إمام هذا الزمان وتغيبه واستتاره على الكل الوصول إليه وعدم علمهم بمكانه؟

قيل له: لا مضادة بين المعرفة بالإمام وبين جميع ما ذكرت من أحواله، لأن العلم بوجوده في العالم لا يفتقر إلى العلم بمشاهدته لمعرفتنا ما لا يصح إدراكه بشئ من الحواس، فضلا عمن يجوز إدراكه وإحاطة العلم بما لامكان له، فضلا عمن يخفى مكانه والظفر بمعرفة المعدوم والماضي والمنتظر، فضلا عن المستخفي المستتر.

وقد بشر الله تعالى الأنبياء المتقدمين بنبينا محمد صلى الله عليه وآله قبل وجوده في العالم. فقال سبحانه (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه) يعني رسول الله صلى الله عليه والله (قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري) يعني عهدي <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/3/3" target="_blank" title="آل عمران 3">﴿قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين﴾</a> (٤) قال جل اسمه <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/7/7" target="_blank" title="الأعراف 7">﴿النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل﴾</a> (5)

Sayfa 12

فكان نبينا عليه والله السلام مكتوبا مذكورا في كتب الله الأولى، وقد أوجب على الأمم الماضية معرفته والاقرار به وانتظاره، وهو عليه السلام وديعة في صلب آبائه لم يخرج إلى الوجود، ونحن اليوم عارفون بالقيامة والبعث والحساب وهو معدوم غير موجود، وقد عرفنا آدم ونوحا وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ولم نشاهدهم ولا شاهدنا من أخبر عن مشاهدتهم، ونعرف جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك، الموت عليهم السلام ولست نعرف لهم شخصا ولا نعرف لهم مكانا، فقد فرض الله علينا معرفتهم والاقرار بهم وإن كنا لا نجد إلى الوصول إليهم سبيلا، ونعلم أن فرض (المعرفة لشخص في نفسه من المصالح مما لا يتعلق لوجود مشاهدة) (6) المعروف ولا يعرف مستقره ولا الوصول إليه في مكانه، وهذا بين لمن تدبره.

فإن قال: فما ينفعنا من معرفته مع عدم الانتفاع به من الوجه الذي ذكرنا؟

قيل له: نفس معرفتنا بوجوده وإمامته وعصمته وكماله نفع لنا في اكتساب الثواب، وانتظارنا لظهوره عبادة نستدفع بها عظيم العقاب، ونؤدي بها فرضا ألزمناه ربنا المالك للرقاب، كما كانت المعرفة بمن عددناه من الأنبياء والملائكة من أجل النفع لنا في مصالحنا، واكتسابنا المثوبة في أجلنا وإن لم يصح المعرفة لهم على كل حال وكما أن معرفة الأمم الماضية نبينا قبل وجوده مع أنها كانت من أوكد فرائضهم لأجل منافعهم، ومعرفة الباري جل اسمه أصل الفرائض كلها، وهو أعظم من أن يدرك بشئ من الحواس.

فإن قال: إذا كان الإمام عندكم غائبا، ومكانه مجهولا، فكيف يصنع

Sayfa 13

المسترشد؟ وعلى ماذا يعتمد الممتحن فيما ينزل به من حادث لا يعرف له حكما؟ وإلى من يرجع المتنازعون، لا سيما والإمام إنما نصب لما وصفناه؟

قيل له: هذا السؤال مستأنف لا نسبة له بما تقدم، ولا وصلة بينه وبينه، وقد مضى السؤال الأول في معنى الخبر وفرض المعرفة وجوابه على انتظام، ونحن نجيب عن هذا المستأنف بموجز لا يخل بمعنى التمام منقول وبالله التوفيق:

إنما الإمام نصب لأشياء كثيرة: أحدها: الفصل بين المختلفين.

الثاني: بيان الحكم للمسترشدين.

ولم ينصب لهذين دون غيرهما من مصالح الدنيا والدين، غير أنه إنما يجب عليه القيام فيما نصب له مع التمكن من ذلك والاختيار، وليس يجب عليه شئ لا يستطيعه، ولا يلزمه فعل الإيثار مع الاضطرار، ولم يؤت الإمام في التقية من قبل الله عز وجل ولا من جهة نفسه وأوليائه المؤمنين، وإنما أتي ذاك من قبل الظالمين الذين أباحوا دمه ودفعوا (7) نسبه، وأنكروا حقه، وحملوا الجمهور على عداوته ومناصبة القائلين بإمامته. وكانت البلية فيما يضيع من الأحكام، ويتعطل من الحدول، ويفوت من الصلاح، متعلقة بالظالمين، وإمام الأنام برئ منها وجميع المؤمنين. فأما الممتحن بحادث يحتاج إلى علم الحكم فيه فقد وجب عليه إن يرجع في ذلك إلى العلماء من شيعة الإمام وليعلم (8) ذلك من جهتهم بما استودعوه من أئمة الهدى المتقدمين، وإن عدم ذلك والعياذ بالله ولم يكن فيه حكم منصوص على حال فيعلم أنه على حكم العقل،

Sayfa 14

لأنه (9) لو أراد الله أن يتعبد فيه بحكم سمعي لفعل ذلك، ولو فعله لسهل السبيل إليه.

وكذلك القول في المتنازعين، يجب عليهم رد ما اختلفوا فيه إلى الكتاب والسنة عن رسول الله صلى الله عليه والله من جهة خلفائه الراشدين من عترته الطاهرين، ويستعينوا (10) في معرفة ذلك بعلماء الشيعة وفقهائهم، وإن كان - والعياذ بالله - لم يوجد فيما اختلفوا فيه نص على حكم سمعي فليعلم أن ذلك مما كان في العقول ومفهوم أحكام العقول، مثل: أن من غصب إنسانا شيئا فعليه رده بعينه إن كانت عينه قائمة، فإن لم تكن عينه قائمة كان عليه تعويضه منه بمثله، فإن لم يوجد له مثل كان أن يرضي خصمه بما تزول معه ظلامته، فإن لم يستطع ذلك أو لم يفعله مختارا كان في ذمته إلى يوم القيامة.

وإن كان جان جنى على غيره جناية لا يمكن تلافيها كانت في ذمته، وكان المجني عليه ممتحنا بالصبر. إلى أن ينصفه الله تعالى يوم الحساب. فإن كان الحادث مما لا يعلم بالسمع إباحته من خطره، فإنه على الإباحة إلا أن يقوم دليل سمعي على خطره.

وهذا الذي وصفناه إنما جاز للمكلف الاعتماد عليه والرجوع إليه عند الضرورة بفقد الإمام المرشد، ولو كان الإمام ظاهرا (11) ما وسعه غير الرد إليه ، والعمل على قوله، وهذا كقول خصومنا كافة: إن على الناس في نوازلهم بعد

Sayfa 15