خذي بيدي قبل أن أغرقا
أنا لك عبد فكوني كمن
إذا سره عبده أعتقا
كان ببغداد رجل كبير الرأس، فيلي الأذنين، اسمه «فاذوه»، رأسه في الأزمنة الأربعة مكشوف، لا يتورع عن ركوب مخزية، يقال له يا فاذوه، ويلك تب إلى الله، فيقول: يا قوم لم تدخلون بيني وبين مولاي، وهو الذي يقبل التوبة عن عباده، فكان في بعض الشوارع يوما ذاهبا، والشارع قد اتسع أسفله وضاق أعلاه والتقت جناحان فيه، فناولت جارة جارتها مهراسا انسل من يدها على رأس «فاذوه»، فهرس رأسه وخلط كخلط الهريسة، وأعجله عن التوبة. وكان لنا واعظ صالح يقول لنا: احذروا ميتة «فاذوه».
قال جبريل في حديثه: خشيت أن يتم فرعون الشهادة والتوبة، فأخذت قطعة من حال البحر فضربت بها وجهه، يعني: طينة، والحال ينقسم ثمانية أقسام منها الطين، فكيف يصنع من عنده أن التوبة لا تصح من ذنب، مع الإقامة على آخر؟! فلا حول ولا قوة إلا بالله.
بلغني عن مولاي الشيخ - أدام الله تأييده - أنه قال: وقد ذكرت له أعرفه خبرا هو الذي هجا أبا القاسم علي بن الحسين المغربي، فذلك منه - أدام الله عزه - رائع لي، خوفا أن يستشر طبعي، وأن يتصورني بصورة من يضع الكفر موضع الشكر، وهو بتعريف التنكير أنفع لي عنده لجلالة قدره ودينه ونسكه، وأنا أطلعه طلعة ليعرف خفضه ورفعه وفراداه وجمعه.
كنت أدرس على أبي عبد الله بن خالويه - رحمه الله - وأختلف إلى دار أبي الحسين المغربي، ولما مات ابن خالويه سافرت إلى بغداد، ونزلت على أبي علي الفارسي، وكنت أختلف إلى علماء بغداد إلى: أبي سعيد السيرافي، وعلي بن عيسى الرماني، وأبي عبيد الله المرزباني، وأبي حفص الكتاني صاحب أبي بكر بن مجاهد وكتبت حديث رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، وبلغت نفسي أغراضها جهدي والجهد عاذر، ثم سافرت منها إلى مصر ولقيت أبا الحسن المغربي، فألزمني إن لزمته لزوم الظل، وكنت منه مكان المثل في كثرة الإنصاف والحنو والتجافي، فقال لي سرا: «أنا أخاف همة أبي القاسم أن تنزو به إلى أن يوردنا وردا إلا صدر عنه، وإن كانت الأنفاس مما تحفظ وتكتب فاكتبها واحفظها وطالعني بها.» فقال لي يوما: ما نرضى بالخمول الذي نحن فيه، قلت: وأي خمول هنا تأخذون من مولانا - خلد الله ملكه؟ في كل سنة ستة آلاف دينار، وأبوك من شيوخ الدولة وهو معظم مكرم. فقال: أريد أن تصار إلى أبوابنا الكتائب والمواكب والمقانب، ولا أرضى بأن يجري علينا، كالولدان والنسوان فأعدت ذلك على أبيه فقال: ما أخوفني أن يخضب أبو القاسم هذه من هذه، وقبض على لحيته وهامته، وعلم أبو القاسم بذلك، فصارت بيني وبينه وقفة.
وأنفذ إلي القائد أبو عبد الله الحسين بن جوهر، فشرفني بشريف خدمته، فرأيت الحاكم كلما قتل رئيسا أنفذ رأسه إليه، وقال: هذا عدوي وعدوك يا حسين، فقلت: من ير يوما ير به، والدهر لا يغتر به، وعلمت أنه كذا يفعل به، فاستأذنته في الحج فأذن، فخرجت في سنة سبع وتسعين، وحججت خمسة أعوام وعدت إلى مصر وقد قتله، فجاءني أولاده سرا يرومون الرجوع إليهم، فقلت لهم: خير ما لي ولكم الهرب، ولأبيكم ببغداد ودائع خمسمائة ألف دينار، فاهربوا وأهرب ففعلوا وفعلت، وبلغني قتلهم بدمشق وأنا بطرابلس فدخلت إلى أنطاكية وخرجت منها إلى ملطية، وبها المايسطرية خولة بنت سعد الدولة فأقمت عندها إلى أن ورد علي كتاب أبي القسم، فسرت إلى ميافارقين فكان يسر حسوا في ارتغاء قال لي يوما من الأيام: ما رأيتك، قلت: أعرضت حاجة؟ قال: لا أردت أن ألعنك، قلت: فالعني غائبا، قال: لا في وجهك أشفى، قلت: ولم؟ قال: لمخالفتك إياي فيما تعلم، وقلت له ونحن على أنس بيني وبينه لي حرمات ثلاث: البلدية، وتربية أبيه لي، وتربيتي لإخوته، قال: هذه حرم مهتكة البلدية نسب بين الجدران، وتربية أبي لك منة لنا عليك، وتربيتك لإخوتي بالخلع، والدنانير أردت أن أقول له: استرحت من حيث تعب الكرام، فخشيت جنون جنونه؛ لأنه كان جنونه مجنونا وأصح منه مجنون وأجن منه، لا يكون. وقد أنشد:
جنونك مجنون ولست بواجد
Bilinmeyen sayfa