87

Safâ Kardeşleri'nin Risaleleri ve Sadık Dostların Mektupları

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

Türler

وأما شرف صناعة الموسيقى فمن وجهين اثنين: أحدهما من جهة الصناعة نفسها، والآخر من جهة تأثيراتها في النفوس، وأيضا من جهة تفاوت ما بين صناعها؛ وذلك أن الواحد منهم يضرب لحنا فيطرب بعض المستمعين وآخر يضرب لحنا فيطرب كل المستمعين، وقد يحكى أن جماعة من أهل هذه الصناعة كانوا مجتمعين في دعوة رجل كبير رئيس؛ إذ دخل عليهم إنسان رث الحال عليه ثياب النساك، فرفعه صاحب المجلس عليهم كلهم، فتبين الإنكار في وجوههم فأراد أن يبين فضله، فسأله أن يسمعهم شيئا من صنعته، فأخرج خشبات وركبها تركيبا ومد عليها أوتارا كانت معه وحركها تحريكا، فأضحك كل من كان في المجلس من اللذة والفرح، ثم قلب وحرك تحريكا آخر، فأبكى كل من كان في المجلس من الحزن ورقة القلب، ثم قلب وحرك تحريكا فنوم كل من كان في المجلس، وقام وخرج فلم يعرف له خبر!

واعلم يا أخي بأن الحذق في كل صنعة هو التشبه بالصانع الحكيم الذي هو الباري - جل ثناؤه - ويقال إن الله تعالى يحب الصانع الفاره الحاذق، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تعالى يحب الصانع المتقن في صنعته، ومن أجل هذا قيل في حد الفلسفة إنها التشبه بالإله بحسب طاقة الإنسان، وإنما أردنا بالتشبه التشبه في العلوم والصنائع وإفاضة الخير؛ وذلك أن الباري - جل ثناؤه - أعلم العلماء وأحكم الحكماء وأصنع الصناع وأفضل الأخيار، فكل من زاد في هذه الأشياء درجة ازداد من الله قربة، كما ذكر الله سبحانه في وصف الملائكة الذين هم خالص عباده؛ فقال: @QUR08 يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته.

واعلم يا أخي أن الوسيلة لا تكون إلا بعمل أو علم أو عبادة؛ لأن العباد لا يملكون شيئا سوى سعيهم كما ذكر الله - عز وجل - فقال: @QUR011 وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى.

(8) فصل في قابلية الإنسان الصنعة

واعلم أن قبول الصبيان تعلم الصنائع يختلف بحسب طباعهم المختلفة واختلاف طباعهم بحسب مواليدهم، وقد شرحنا ذلك في رسالة تأثيرات النجوم في المواليد، ولكن نريد أن نذكر ها هنا من ذلك طرفا، فاعلم أن من الناس من هو مطبوع على تعلم صناعة واحدة أو عدة صنائع بسهولة في قبولها حتى إن كثيرا من الناس من يتعلم صناعة بجودة قريحته، إذا رأى أهل تلك الصناعة في أعمالهم بأدنى تأمل كأنه قد وقف عليها، ومنهم من يحتاج إلى توقيف شديد وحث دائم وترغيب، وربما لا يفلح فيها إذا لم يكن فيها موافقا للطبيعة، وما أوجبه له مولده، ومن الناس من لا يتعلم الصناعة البتة، ويكون فارغا خلوا منها جميعا، والسبب في ذلك أن الصناعة لا تأتي للمولود إلا بدلالة كوكب متول لبرج العاشر من طالعه؛ وذلك أنه إذا استولى عليه من أحد الكواكب الثلاثة واحد فلا بد من صنعة يتعلمها، وهي المريخ والزهرة وعطارد؛ وذلك أن كل صنعة فلا بد لها من حركة ونشاط وحذق، فالحركة للمريخ والنشاط للزهرة والحذق لعطارد.

وأربعة منها إذا انفرد أحدها بالدلة فلا يعطي الصنعة ولكن يدل على ما يشاكله من الأعمال، وهي الشمس وزحل والمشتري والقمر؛ وذلك أن من استولى عليه في مولده على الدرجة العاشرة الشمس، فهو لا يتعلم الصناعة لكبر نفسه مثل أولاد الملوك، وأما من استولى عليه المشتري فهو لا يتعلم ولا يعمل لزهده وورعه ورضاه بقليل من أمور الدنيا وإقباله على طلب الآخرة مثل الأنبياء - عليهم السلام - ومن يقتدي بهم.

وأما من استولى عليه زحل فإنه لا يعمل ولا يتعلم لكسله وثقل طبيعته عن الحركة ويرضى بالذل والهوان في طلب معاشه كالمكدين والسؤال، وأما من استولى عليه القمر فإنه لا يعمل من أجل مهانته واسترخاء طبيعته وقلة فهمه مثل النساء وأمثالهن من الرجال.

ومن أجل هذا كان اليونانيون الذين كانوا في قديم الزمان إذا أرادوا تسليم الصبي إلى صناعة من الصنائع اختاروا له يوما من الأيام وأدخلوه إلى هيكل الصنائع وصور سائر الكواكب وقربوا قربانا لصنم ذلك الكوكب الذي دل على صناعته وسلموه إلى تلك الصناعة بعد ما عرفوا ذلك من مولده، وإن لم يكونوا عرفوه من مولده عرضوا عليه الصنائع المصورة في ذلك الهيكل، فإن رغب في واحدة منها بعد توقيفهم له على أحوال تلك الصنعة سلموه إليها.

واعلم يا أخي بأن صناعة الآباء والأجداد أنجع في الأولاد من صناعة الغرباء، وخاصة من دل مولده عليها، ويكونون فيها أحذق وأنجب. ومن أجل هذا أوجبوا في سياسة أزدشير بن بابكان على أهل كل طبقة من الناس لزوم صناعة آبائهم وأجدادهم قطعا وأن لا يتجاوزوها، وزعموا أن ذلك فرض من الله - عز وجل - في كتاب زرادشت.

واعلم بأن هذا كله صيانة للملك أن لا يرغب فيه من ليس من أهله؛ لأنه إذا كثر الطالبون للملك كثر التنازع بينهم، وإذا كثر التنازع كثر الشغب، واضطربت الأمور، وانفسد النظام، وفساد النظام يتبعه البوار والبطلان.

Bilinmeyen sayfa