172

Safâ Kardeşleri'nin Risaleleri ve Sadık Dostların Mektupları

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

Türler

فصل

واعلم يا أخي أن النار هي كالقاضي بين الجواهر المعدنية المتحكم فيها كلها والمفرق بينها وبين ما كان من غير جنسها ، فأشرفها هي التي لا تقدر النار على أن تفرق بين أجزائها مثل الذهب والياقوت، وذلك لشدة اتحاد أجزائها بعضها ببعض، فإنه ليس بين خلل أجزائها رطوبة، وأما احتراق بعض الجواهر المعدنية وأكل النار لها وسرعة اشتعالها فيها كالكبريت والزرنيخ والقير والنفط وما شاكلها من المعدنيات فهي من الأجزاء الهوائية الدهنية المتعلقة بالأجزاء الترابية غير متحدة بها، والأجزاء المائية قليلة معها، وهي غير نضجة أيضا ولا متحدة بها، فإذا أصابتها حرارة النار ذابت بسرعة وتحللت وصارت دخانا وبخارا، وفارقت الأجزاء الترابية، وارتفعت في الهواء واختلطت به، وتفرقت بين أجزاء الهواء، وأما إذا قيل ما العلة في أن الذهب يذوب ولا يحترق، والياقوت لا يذوب ولا يحترق؟ فنقول إن علة ذوبان الذهب هي من الرطوبة الدهنية المتحدة بالأجزاء الترابية، فإذا أصابتها حرارة النار ذابت، ولانت الأجزاء الأرضية التي معها، وأما ما لم يحترق فمن أجل الأجزاء المائية المتحدة بالأجزاء الترابية والهوائية، فإنها تقابل النار وتدفع عن جسدها الترابي وهج النار ببردها ورطوبتها، فإذا خرجت من النار جمدت تلك الأجزاء الهوائية، الدهنية وغلظت الأجزاء المائية، وانعقدت وصارت الأجزاء الأرضية كما كانت، وعلى هذا القياس سائر الأجسام الترابية.

وأما الياقوت فلأنه أجزاء مائية غلظت وصفت بطول الوقوف بين الصخور وأنضجت بدوام طبخ حرارة المعدن لها، واتحدت أجزاؤها ويبست، فصارت لا تذوب بالنار؛ لأنه ليس فيها رطوبة دهنية، وأما علة صفائه فمن أجل أنه ليس فيه أجزاء ترابية مظلمة، بل كلها أجزاء مائية قد غلظت وصفت ونضجت وجمدت ويبست، فلا تقدر النار على تفريق أجزائها لشدة اتحادها ويبسها، وأما سرعة ذوبان بعض الأجسام واحتراقها مثل الرصاص والأسرب، فهو من أجل أن الأجزاء المائية والهوائية غير متحدة بالأجزاء الترابية، وأما سوادها فمن أجل أنها غير نضجة وثقلها من أجل كثرة الأجزاء الأرضية فيها، والله أعلم.

فصل

واعلم يا أخي أن لهذه الجواهر خواص كثيرة وطباعها مختلفة؛ فمنها متضادة متنافرة، ومنها متشاكلة متآلفة، ولها تأثيرات بعضها في بعض إما جذبا أو إمساكا أو دفعا أو نفورا، ولها أيضا شعور خفي وحس لطيف، كما للنبات والحيوان، إما شوقا ومحبة وإما بغضا وعداوة، لا يعلم كنه عللها إلا الله تعالى، والدليل على صحة ما قلنا وحقيقة ما وصفنا قول الحكماء في كتاب الأحجار ونعتهم لها أن طبيعة تألف طبيعة، وطبيعة تناسب طبيعة أخرى، وطبيعة تلصق بطبيعة، وطبيعة تأنس بطبيعة، وطبيعة تقهر طبيعة، وطبيعة تقوى على طبيعة، وطبيعة تضعف عن طبيعة، وطبيعة تلهب طبيعة، وطبيعة تحب طبيعة، وطبيعة تطيب مع طبيعة، وطبيعة تفسد مع طبيعة، وطبيعة تبيض طبيعة، وطبيعة تحمر طبيعة، وطبيعة تهرب من طبيعة، وطبيعة تبغض طبيعة، وطبيعة تمازج طبيعة.

فأما الطبيعة التي تألف طبيعة أخرى فمثل الألماس والذهب، فإنه إذا قرب من الذهب التصق به وأمسكه، ويقال إن الألماس لا يوجد إلا في معدن الذهب، وفي واد من ناحية المشرق، ومثل طبيعة حجر المغناطيس في جذب الحديد، فإن هذين الحجرين يابسين صلبين بين طبيعتهما ألفة واشتياق، فإنه إذا قرب الحديد من هذا الحجر حتى يشم رائحته ذهب إليه والتصق به وجذبه الحجر إلى نفسه ومسكه كما يفعل العاشق بالمعشوق، وهكذا يفعل الحجر الجاذب للحم، والحجر الجاذب للشعر، والحجر الجاذب للظفر، والحجر الجاذب للتبن، وعلى هذا القياس ما من حجر من الأحجار المعدنية إلا وبين طبيعته وبين طبيعة شيء آخر ألفة واشتياق، عرف الناس ذلك أم لم يعرفوه.

واعلم أن مثل مقابلة أفعال هذه الأحجار بعضها في بعض يكون مثل تأثيرات الدواء في العضو العليل، وذلك أن من خاصية كل عضو عليل اشتياقا إلى طبيعة الدواء المضاد لطبيعة العلة التي به، فإذا حصل الدواء بالقرب من العضو العليل أحس به وجذبته القوة الجاذبة إلى ذلك العضو، وأمسكته الماسكة، واستعان بالقوة المدبرة بطبيعة الدواء على دفع طبيعة العلة المؤلمة، وقويت عليها وغلبتها ودفعتها عن العضو العليل، كما يستعين ويدفع المحارب والمخاصم بقوة من يعينه على خصمه وعدوه في دفعه عن نفسه، وهذه من إتقان حكمة الله - جل جلاله - وعجيب صنعه ولطيف تدبيره بخلقه من الحيوان، وحسن سياسته له ؛ إذ جعل لكل داء وعارض دواء شافيا، ثم ألهمه إياه، كما ذكر الله - تعالى - حكاية عن موسى - عليه السلام - لما قال له فرعون ولأخيه هارون: «من ربكما يا موسى؟» قال: @QUR08 ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى؛ يعني خلقه وصوره وعرفه منافعه ومضاره وقواه وأعانه وحفظه ورعاه ودبره وساسه كما شاء، وكيف شاء، فتبارك الله أحسن الخالقين!

وأما الطبيعة التي تقهر طبيعة أخرى فمثل طبيعة السنباذج التي تأكل الأحجار عند الحك أكلا، وتلينها وتجعلها ملسا، ومثل طبيعة الأسرب الوسخ الذي يفتت الماس القاهر لسائر الأحجار الصلبة، وذلك أن الماس لا يقهره شيء من الأحجار، وهو قاهر لها كلها، لو أنه ترك على السندان وطرق بالمطرقة لدخل في أحدهما ولم ينكسر، وإن جعل بين صفحتين من أسرب وضغط عليها تفتت.

ومثل طبيعة الزئبق، التيار الرطب القليل الصبر على حرارة النار إذا طليت به الأحجار المعدنية الصلبة مثل الذهب والنحاس والفضة أوهنها وأرخاها، حتى يمكن أن يكسر بأسهل سعي، ويفتت قطعا قطعا، ومثل الكبريت المنتن الرائحة المسود للأحجار النيرة البراقة المذهب لألوانها وأصباغها يمكن النار منها حتى تحترق في أسرع مدة، والعلة في ذلك أن في الكبريت رطوبة دهنية لزجة جامدة، فإذا أصابته حرارة النار ذاب والتصق بأجساد الأحجار ومازجها، فإذا تمكنت النار فيه احترق وأحرق معه تلك الأجساد ياقوتا كانت أم ذهبا أم غيرهما.

وأما الطبيعة التي تزين طبيعة أخرى وتنورها، فمثل النوشادر الذي يغوص في قعر الأحجار ويغسلها من الوسخ.

Bilinmeyen sayfa