101

Safâ Kardeşleri'nin Risaleleri ve Sadık Dostların Mektupları

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

Türler

وأما خلفاؤه في أسرار أحكام الناموس الذين هم الأئمة المهديون والخلفاء الراشدون؛ فقد بينا أخلاقهم وخصالهم وشرائطهم وعلومهم ومعارفهم وطرائقهم في إحدى وخمسين رسالة عملناها ودوناها، وهذه الرسالة واحدة منها. فقم أيها الأخ البار الرحيم، أيدك الله وإيانا بروح منه، بالعمل بواجبها والقيام بحقها، وأخبر جميع إخواننا حيث كانوا في البلاد بما في هذه الرسالة والرسائل الأخر؛ إذ الدال على الخير كفاعله.

وقد بينا بما ذكرنا طرفا من خصال صاحب الناموس وحكم أتباعه معه في حفظهم أركان الناموس وتصاريف أحوالهم في الدنيا، فنريد أن نذكر طرفا من كيفية أحوالهم في الآخرة وتصاريف أحكامها؛ إذ كان هذا هو الغرض الأقصى في وضع النواميس الإلهية وسنن الديانات النبوية.

فاعلم يا أخي بأن لكل شيء من الموجودات في هذا العالم ظاهرا وباطنا، وظواهر الأمور قشور وعظام، وبواطنها لب ومخ، وأن الناموس هو أحد الأشياء الموجودة في هذا العالم منذ كان الناس، وله أحكام وحدود ظاهرة بينة، يعلمها أهل الشريعة وعلماء أحكامها من الخاص والعام، ولأحكامه وحدوده أسرار وبواطن لا يعرفها إلا الخواص منهم، والراسخون في العلم.

واعلم يا أخي بأن الناموس وضع لصلاح الدين والدنيا جميعا، وأن الدنيا والآخرة هما داران متقابلتان واسماهما مضادان، ومعناهما وحقيقتهما وصفتهما مختلفات متضادات؛ إحداهما كالقشرة وهي الدنيا، والأخرى كاللب وهي الآخرة، ولهما أهل وبنون ولأهلهما وبنيهما صفات وأخلاق وسجايا وأعمال متخالفات متضادات؛ نحتاج أن نشرحها ونفصلها ونذكر الفرق بينها وبين حقيقتها، ونميز بين أهلها؛ ليعلمها ويعرفها كل من أراد أن يفهم ويريد هذا العلم؛ إذ كان هو من أشرف العلوم وأجل المعارف التي يتعاطاها الناس من سائر العلوم.

فنقول: أما الدنيا فاسمها مشتق من الدنو والقرب، والآخرة من التأخر، وأما حقيقتهما فالدنيا هي تصاريف أمور تجري على الإنسان من يوم ولادة الجسد إلى يوم الممات الذي هو ولادة النفس ومفارقتها إياه، والآخرة هي تصاريف أمور تجري على الإنسان من يوم الممات ومفارقة النفس الجسد إلى ما بعدها أبد الآبدين ودهر الداهرين.

واعلم يا أخي بأن الله - جل ثناؤه - سمى الحياة الدنيا عرضا ومتاعا إلى حين؛ لأن كون الإنسان في الدنيا عارض عرض في طريق الآخرة، ولم يكن القصد والغرض المقام فيها، كما أن الغرض في الكون في الرحم لم يكن الغرض والقصد طول المكث والمقام هناك، ولكن طريقا وجوازا إلى الدنيا، فكذلك كون النفس في هذا الجسد هو سفينة ومركوب ومعبر إلى الدار الآخرة، وذلك أنه لم يكن الورود إلى الدنيا دون الكون هنالك زمانا لتتميم بنية الجسد، وتكميل صورته كما بينا في رسالة مسقط النطفة، فهكذا أيضا حكم المكث في الدنيا والكون فيها زمانا هو طريق وجواز إلى ما بعدها ؛ وذلك أنه لم يكن الورود إلى الدار الآخرة دون الجواز على الدنيا والكون فيها زمانا ما لكي ما تتم أحوال النفس، وتكمل فضائلها، كما بينا في رسالة الإنسان عالم صغير، ورسالة حكمة الموت.

ولهذا المعنى الذي ذكرناه ووصفناه قيل في الخطب على المنابر في الأعياد والجمعات: اعلموا أيها الناس أنكم إنما خلقتم للأبد، ولكن من دار إلى دار تنقلون، ومن الأصلاب إلى الأرحام، ومن الأرحام إلى الدنيا، ومن الدنيا إلى البرزخ، ومن البرزخ إلى الجنة أو إلى النار، كما ذكر الله - عز وجل - بقوله: @QUR08 أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون، وقوله: @QUR06 تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة، وقوله: @QUR012 تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا وآيات كثيرة في القرآن في التزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة، مثل قوله تعالى: @QUR08 وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون؛ يعني أبناء الدنيا لرغبوا فيها أكثر وحرصوا في طلبها أشد، ولكنهم عنها غافلون ساهون جاهلون، لا يدرون ما هناك من النعيم واللذات والسرور والفرح والراحة، كما ذكر الله - عز وجل - واختصر بقوله: @QUR09 فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون.

فلما جهل أبناء الدنيا أمور الآخرة، وغفلوا عنها اشتغلوا عند ذلك بطلب الدنيا ونعيمها ولذاتها وشهواتها، وتمنوا الخلود فيها؛ لأنها محسوسة لهم يشهدونها، وتلك غائبة عن إدراك الحواس، فتركوا البحث عنها، والرغبة فيها والطلب لها وإليهم أشار بقوله - جل ثناؤه: @QUR010 ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون.

واعلم يا أخي بأن الله - جل ثناؤه - سمى الدار الآخرة الحيوان؛ لأنها عالم الأرواح ومعدن النفوس، والدنيا عالم الأجسام، وجواهر الأجسام موات بطبائعها، وإنما تكسبها الحياة النفوس والأرواح بكونها فيها ومعها، كما تكسب الشمس الهواء النور والضياء بإشراقها عليه، وفيه الدليل على أن النفوس هي التي تكسب الأجساد الحياة بكونها معها، وما يرى من حال الأجساد قبل الموت من الحس والحركة والشعور والأصوات والتصاريف وكيفية فقدانها ذلك عند الموت الذي ليس هو شيئا سوى مفارقة النفس الجسد، مما لا خفاء به عند كل عاقل منصف بعقله في موجبات أحكامه.

واعلم يا أخي بأن أكثر الناس من أتباع واضعي الناموس وأنصارهم مقرون بالآخرة مؤمنون بها، ولكنهم لا يعرفون ماهيتها، ولا يدرون ما حقيقتها ولا كيفيتها ولا أبنيتها ولا متى وقت الوصول إليها، وهكذا أيضا كثير من المتفلسفين مقرون بعالم الأرواح وجواهر النفوس، ولكن أكثرهم أيضا لا يدرون كيف الطريق نحوها ولا كيف الوصول.

Bilinmeyen sayfa