وبعد التأمل برهة قال: «وما العمل الآن إني عازم على الكوفة عاجلا ولكنني لا أدري ما ألم بعبد الله ولا ما يأول إليه حاله هل علمت شيئا عنه؟»
فتشاغلت خولة عن الجواب بإصلاح ثوبها كأنها تحاول إخفاء ما تعلمه فظنها لم تسمع كلامه فأعاد السؤال. فقالت: «لا يعلم المستقبل إلا الله».
فلم يعجبه جوابها فقال: أفصحي عما تعلمينه يا خولة.
قالت اعلم أن عمرا أمر بتقل أولئك العلويين في فجر هذا الصباح ولكن من يدري النتيجة.
فاختلج قلب سعيد أيما اختلاج وشعر كأنك صببت عليه ماء غاليا وقال: ماذا تقولين هل يقتلون عبد الله ما العمل؟ كيف يقتلونه؟
فقالت: «دع الأمر لله واعذرني إني لا أستطيع البقاء معك طويلا لئلا ينتبه والدي لغيابي فلا أنجو من القتل. وأما أنت فحياتك في أشد الخطر فيجب عليك أن تخرج من الفسطاط حالا».
فقطه كلامها وقال: «كيف أخرج وعبد الله سيقتل غدا إنه صديقي وابن عمي وأعز من أخي كيف العمل يا رباه».
فقالت له: لا خيرة في الواقع فإن شرا واحدا أهون من شرين ومع ذلك إن الوقت ضيق لا مجال فيه للسعي أو البحث عن سبيل لإنقاذ حياة عبد الله إذا قدر الله قتله ونحن الآن في نحو منتصف الليل وسينفذ القتل عند الفجر.. قالت ذلك وسكتت هنيهة.
فابتدرها سعيد قائلا يلوح لي أن أبوح لعمرو بعزم بعض الناس على قتله واحذره من الوقوع في الخطر ألا تظنينه يعفو عن قتل عبد الله مكافأة لهذا الجميل.
قالت: «ربما عفا ولكنه لدهائه وشدته يظن في قولك السوء فيقبض عليك ويؤجل قتل عبد الله حتى يأتي 17 رمضان فإذا لم يظهر صدق قولك قتلكما جميعا. فهل أنت ضامن أن المؤامر على قتل عمرو يأتي في الوقت المعين وخصوصا إذا علم باطلاع عمرو عليه. فلا تكون النتيجة إلا أنك ألقيت بيديك إلى التهلكة. ولكني أرى أن تترك هذا الأمر إلي لعلي أهتدي إلى وسيلة استغفل لها والدي فأذهب بنفسي إلى الإمام وأطلعه على هذا السر فإذا رأى أن يقبض علي فليفعل والمستقبل في يد الله. أما انت فسر حالا إلى الكوفة قبل فوات الفرصة إن الوقت قصير.. ووقتي الآن أقصر منه. دعني أذهب إلى والدي قبل أن يعلم بغيابي فيعرقل مساعي ثم أرى ما يكون. وسر أنت إلى الدير الذي كنا فيه في أول هذا الليل وسآتيك بالخبر. وقبل أن تصل الدير انزع عنك النقاب والإزار وادخل بثوب الرجال ورئيس الدير يعرفك فلا يستغشك». قالت ذلك وانصرفت تلتمس منزلها وهو يود لو أنها بقيت.
Bilinmeyen sayfa