فقطعت قطام حديثها قائلة: «تقولين أنك لا تلومينه وأراك عاتبة عليه دعيه لئلا يظننا راغبين في استطلاع سره لغرض لنا ونحن إنما نريد بعض ما يريده عبد الله فلا حاجة لنا في سره ولكننا نوصيه أن يقوم بمؤزارة سعيد في ما أوصاه به جده وهذا يكفينا». ثم وجهت كلامها إلى سعيد قائلة: «لقد سرني من رفيقك محافظته على السر حتى عن هذه الحقيرة التي بعد أن كانت أول الناقمين على علي أصبحت من أكبر المدافعين عنه وهب أنه أراد إفشاء ذلك السر فما نحن سامعون ما يقول إذ ربما وسوس لنا الشيطان فبحنا به إلى الأعداء ...».
فوقع كلام قطام في قلب سعيد موقع السهام وغلب عليه الحياء والتفت إلى عبد الله وقال: «لا طاقة لي باحتمال هذا التأنيب يا عبد الله قل ما تعلمه سمعته قطام أم لم تسمعه وما أنا خارج من هذا المكان قبل أن أسمع بقية الحديث».
فندم عبد الله على ما فرط منه وأصبح لا يدري كيف يتخلص من حيائه وارتباكه ولما رأى الحاح سعيد هان عليه التصريح بما لديه وهو لا يرى في ذلك لوما عليه فقال: «أراكم تتهمونني بذنب أنا براء منه فإني لم أتوقف عن إتمام الحديث ضنا به على قطام بعد أن تحققت إخلاصها في الدفاع عن علي ولكنني صبرت ريثما استجمع كلام جدي بحرفه فإذا أذنت قطام تلوته عليكم حالا».
قال سعيد: «قل إنها تريد وإذا سدت أذنيها عن سماعه فأنا أسمعه».
قال عبد الله: «أخبرني أبو رحاب رحمه الله أن دعاة الإمام علي يجتمعون فيه سرا في معبد قديم خارج الفسطاط في مكان يعرف بعين شمس يتفاوضون فيه سرا في يوم الجمعة من كل أسبوع».
فسرت قطام ولبابة بالإطلاع على ذلك السر ولكن لبابة لدهائها ومكرها تظاهرت بالاستخفاف والإنكار وقالت: «أهذا هو سرك العظيم إنه باطل لا يقبله العقل».
فاغتاظ عبد الله لإنكارها وقال: وماالدليل على بطلانه يا خالة.
قالت: «تقول أن دعاة علي يجتمعون هناك كل جمعة ونحن نعلم أنهم يعدون بالألوف فكيف يسعهم ذلك المعبد. وهب أنه وسعهم فكيف يجتمع الألوف منهم كل أسبوع ولا يدري بهم عمرو بن العاص وعيونه مبثوثة في أطراف الفسطاط أليس ذلك باطلا».
فسر عبد الله لاستخفافها بكلامه إذ لا يكون لإفشائه تأثير وود الوقوف عند هذا الحد فلم يرض سعيد بذلك بل أخذ على نفسه تفسير مقاله وهو يحسب أنه أتى أمرا جديدا فقال: «إن عبد الله لا يعني باجتماع دعاة علي أنهم يجتمعون جميعا كبارا وصغارا ولكنه يريد أن رؤساء العشائر وكبارهم هم الذين يجتمعون فقط» فضحكت لبابة وتظاهرت بالرد عليه فقطعت قطام كلامها قائلة: «يظهر يا خالة أنك إنما تريدين المرح فقد كلفت عبد الله الإفشاء بالسر ثم جعلت تجادلينه ونحن كما قلنا لا يهمنا من الأمر إلا الوصول إلى الغاية المقصودة وهذا يكفي».
الفصل التاسع والعشرون
Bilinmeyen sayfa