Raising Interests and Wisdom in the Legislation of the Prophet of Mercy ﷺ
رعاية المصلحة والحكمة في تشريع نبي الرحمة ﷺ
Yayıncı
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
Baskı Numarası
العدد ١١٦،السنة ٣٤
Yayın Yılı
١٤٢٢هم٢٠٠٢م
Türler
الْحُدُود الَّتِي حددها الشَّارِع، وأوجبت - يَعْنِي السّنة - أَنه لَا يحل أَن يتَوَقَّف فِي امْتِثَال أَحْكَام الشَّرْع - إِذا صحت بهَا الرِّوَايَة - على معرفَة تِلْكَ الْمصَالح لعدم اسْتِقْلَال عقول كثير من النَّاس على معرفَة كثير من الْمصَالح، وَلكَون النَّبِي ﷺ أوثق عندنَا من عقولنا ... "١.
هَذَا هُوَ الْحق الَّذِي لَا شكّ فِيهِ عِنْد أهل السّنة: أَن الحكم الشَّرْعِيّ لَا يَنْبَنِي على مُجَرّد الْمصلحَة وَالْحكمَة، وَأَن الْعِلَل الشَّرْعِيَّة لَيست مُوجبَة بذواتها، بل الله جعلهَا - بمشيئته - مُوجبَة للْأَحْكَام تفضلا مِنْهُ وإحسانا، وَأَنه سُبْحَانَهُ لَا يجب عَلَيْهِ شَيْء - وَلَيْسَ لأحد أَن يُوجب عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ شَيْئا - بل هُوَ الْمُوجب بِمَا شَاءَ على من شَاءَ، وَأَن أَحْكَامه ﷾ لَا تَخْلُو من مُرَاعَاة الْمصلحَة – غَالِبا - لِأَنَّهُ تَعَالَى حَكِيم - والحكيم لَا يفعل إِلَّا لمصْلحَة - كَمَا تقدم.
وَهَذَا هُوَ مَسْلَك الْقُرْآن وَالسّنة، والنصوص الدَّالَّة على ذَلِك من الْكَثْرَة بِحَيْثُ يتَعَذَّر إحصاؤها، وَقد تقدم قَول ابْن الْقيم ﵀: "وَالْقُرْآن وَسنة رَسُول الله ﷺ مملوآن من تَعْلِيل الْأَحْكَام بالحكم والمصالح وتعليل الْخلق بهما والتنبيه على وُجُوه الحكم الَّتِي لأَجلهَا شرع تِلْكَ الْأَحْكَام ... وَلَو كَانَ هَذَا فِي الْقُرْآن وَالسّنة نَحْو مائَة مَوضِع أَو مِائَتَيْنِ لسقناها وَلَكِن يزِيد على ألف مَوضِع بطرق متنوعة ... ".
وَقد علل الصَّحَابَة بفطرتهم السليمة، وبتلقائية لَا تكلّف فِيهَا، وبنوا اجتهاداتهم على مَا فهموه من الْعِلَل والمصالح، ثمَّ صَار على دربهم التابعون وَمن جَاءَ بعدهمْ من الْعلمَاء الْمُجْتَهدين يعللون الْأَحْكَام بالمصالح ويفهمون مَعَانِيهَا وَيخرجُونَ للْحكم الْمَنْصُوص مناطا مناسبا لدفع ضرّ أَو جلب نفع كَمَا هُوَ
_________
١ - حجَّة الله الْبَالِغَة، الْمُقدمَة.
1 / 234