كل هذه المعجزات كانت نتيجة للتربية الطاهرة التي ظلت تمتلك القلوب تدريجيا، لقد أتى معظم الأنبياء ﵈ بالمعجزات مثل تحويل ماهية العصا والحيات والأحجار والبحار والنار أو سلب خاصيتها أمام الناظرين، ولكن النبي ﷺ (فداه أبي وأمي) أتى بمعجزة أعظم، فقد بدل القلوب وطهر النفوس، والفرق بين الإنسان والعصا والإنسان والحية والإنسان والحجر، هو نفسه الفرق بين هذه المعجزة وبين المعجزات الأخرى، وهذا هو الأمر الذي حير حتى اليوم جميع المفكرين الذين أرادوا أن يقولوا أو يكتبوا شيئا عن النبي ﷺ (رغم الاختلاف الديني) -.
ليت المسلمين يقدرون حق هذه التربية الطاهرة ليتهم يطلعون على هدف النبي ﷺ الطاهر، ليتهم يعتبرون الحفاظ على الإسلام فرضا واجبا عليهم، ليتهم يعتبرون بقاء الإسلام أكثر ضرورة من بقاء أنفسهم، وأبنائهم وآبائهم وشيوخهم وعظمائهم.
أيها القارئ! إن الميزة العجيبة في سيرة النبي ﷺ تكمن في أنها تهدي الناس من جميع الطبقات، لقد ولد رسول الله ﷺ في هذه الدنيا يتيما وهكذا لازمته صفات المسكنة والفقر، وعاش سنوات عمره الأولى وسط جو ريفي وهكذا نشأت البساطة ونمت لدى رسول الله، فأمضى صباه في وقت انشغل فيه القوم بحرب الفجار وغيرها. وهكذا حاز السلم والأمن والتعاطف مع الناس اهتمام الرسول ﷺ منذ البداية.
لم يتزوج الرسول ﷺ حتى سن الخامسة والعشرين وعاش حياة التجرد وهو في عنفوان الشباب، بكامل العفة والعصمة، والحياء والخجل فكان بشهادة من رأوه أكثر حياء وخجلا من ذوات الخدور.
اختار ﷺ التجارة وسيلة لكسب العيش فأرشد أصحاب الهمم العالية، الذين يتصفون بالثبات والاستقامة وفهم المعاملات والضرورات، والحلم والصبر، أن التجارة خير وسائل الكسب.
كان زواجه الأول من أرملة تكبره بخمس عشرة سنة مع ما كان عليه من جمال الرجولة، وعلو الحسب والنسب، وهكذا قدم مثالا رائعا على ضرورة وفضل زواج الأرامل، كما أوضح أيضا أن المرء يمكن أن يتحرر من قيد الأفكار الشهوانية حتى لو كان متأهلا.
كانت الزوجة ثرية جدا، لكن الرسول ﷺ استغنى دائما عن عونها المالي وعن عون
1 / 28