Rahman ve Şeytan
الرحمن والشيطان: الثنوية الكونية ولاهوت التاريخ في الديانات المشرقية
Türler
لقد بدا للبعض أن المانوية سوف تغدو الديانة الرسمية للإمبراطورية الفارسية، وذلك بسبب دعم القصر الملكي وتعاونه، إلا أن الملك شابور رغم ميله الضمني لماني ومعتقده، كان يدرك قوة التقاليد الزرادشتية المحافظة ، ويفهم دوره الرسمي كوصي على تراث الأجيال. يضاف إلى ذلك أن طبقة المجوس كانت تقود في ذلك الوقت حركة واسعة النطاق تهدف إلى جمع وتدوين الأدبيات الدينية الزرادشتية بروح قومية متعصبة، وتعمل جاهدة على مقاومة المد المانوي من خلال تنظيم كنيستها الخاصة وإحياء معابد النار في كل مكان. وبذلك بدت المواجهة الحاسمة بين الطرفين محتومة، ولم يؤخرها سوى مقدرة الملك شابور على الإمساك بخيوط اللعبة بكل حذق ومهارة، ولكن وفاة هذا العاهل الحكيم في عام 273 ميلادية قد قلب ميزان القوى فجأة، وأخذ المجوس يتهيئون للتخلص من ماني.
خلف شابور ابنه هرمز الأول الذي اتخذ موقفا وديا من ماني، ولكن هرمز هذا ما لبث أن توفي بعد عام فقط من توليه السلطة وخلفه أخوه بهرام، الذي كان شابا ضيق الأفق لا يعرف من أمور الحكم سوى الرياضة والقنص، ويعطي أذنا صاغية لدسائس الكهنة المجوس. سمع ماني بوفاة هرمز بينما كان يزور بعض الجماعات المانوية عند حوض نهر الدجلة الأسفل، وفي نيته أن يتابع رحلته شرقا، وبينما كان يتفكر فيما يتوجب عليه فعله وصله أمر ملكي بالعودة إلى العاصمة. وهنا تصف لنا النصوص القبطية الأسابيع الأخيرة من حياة ماني. فلقد عاد المعلم مبحرا في نهر دجلة حتى طيسفون، وعندما وصل كان المجوس قد وضعوا أمام الملك عريضة ادعاء تتهم ماني بالتحريض ضد العقائد والآلهة الإيرانية وإفساد عقول العباد، ولكن بهرام لم يكن فعلا بحاجة إلى مثل هذه العريضة، لأنه اتخذ قرارا مسبقا بإيقاف الداعية الخطر عند حده، فلما مثل ماني أمامه لم يكن مهتما فعلا بالاستماع إلى أقواله والموازنة بينها وبين دعاوى متهميه، فلم تدم المقابلة سوى وقت قصير اقتيد بعدها المعلم إلى السجن. عن هذه المقابلة العاصفة التي حضرها الكاهن الأكبر قيردير عدو ماني اللدود، نقرأ في إحدى الوثائق القبطية الوصف الآتي: «أتى ماني لمقابلة الملك بهرام، وكان الملك جالسا إلى مائدة الطعام، فدخل عليه رجال من بلاطه وقالوا له: لقد أتى ماني وهو حاضر عند الباب. فأرسل الملك إلى مولانا أن يتريث حتى يستطيع القدوم إليه. فجلس مولانا إلى جانب الحارس حتى غسل الملك يديه لأنه كان عازما على الذهاب إلى الصيد، ثم جاء وهو يضع إحدى ذراعيه على كتف الملكة والأخرى على كتف الكاهن قيردير، وخاطب مولانا قائلا: لا مرحبا بك. فرد عليه مولانا قائلا: لماذا؟ هل ارتكبت أي ذنب؟ فقال الملك: لقد أقسمت ألا أدعك تبقى على هذه الأرض، ثم انفجر غاضبا وخاطب مولانا قائلا: عجبا، ما الحاجة إليك؟ فأنت لا تشارك في الحرب ولا في مطاردات الصيد، قد تكون مفيدا في الطب وتركيب العقاقير ولكن حتى هذه لا تحسنها. فأجابه مولانا: لم أقترف بحقك أي ذنب. لقد قدمت لك ولأسرتك الكثير من الفوائد، وحررت أعدادا كبيرة من عبيدكم من الشياطين والأرواح الشريرة، وأقمت كثيرين من فراش المرض فشفيتهم، وخلصت آخرين من الحمى ... أما الذين كانوا على حافة الهلاك وأعدتهم إلى الحياة فأكثر من أن يحصوا.»
بعد أن تابع ماني تعداد ما أفاض عليه الملكان السابقان من حماية ورعاية، ختم خطابه قائلا: والآن افعل بي ما تراه. فأمر الملك بتقييد ماني، فوضعت ثلاث سلاسل حديدية حول يديه وثلاث أخرى حول عقبيه وواحدة حول رقبته، وأخذ إلى السجن حيث أمضى ستة وعشرين يوما كان خلالها قادرا على رؤية حوارييه والتكلم معهم، لأن نظم السجن الفارسية كانت تسمح بمثل هذه الإجراءات. ولكن جسده الذي أضعفه الصيام والأغلال الثقيلة، كان يخور تدريجيا وهو ينقل تعاليمه الأخيرة التي تكمل العقيدة والشريعة المانوية، وما لبث طويلا حتى أسلم الروح. عند ذلك أمر الملك أن يغرز مشعل محترق في جسد ماني ليتأكد من موته، ثم قطع رأسه وعلقه فوق بوابة المدينة. وبذلك تقرر مصير واحد من أعظم أصحاب الرسالات الروحية من قبل ملك غر أنهى المحاكمة المصيرية خلال الوقت الفاصل بين غسل يديه عقب الطعام والانطلاق إلى الصيد، ولم ير في ماني الكهل إلا رجلا لا يصلح للحرب ولا للصيد.
ولكن السلطة قد تنال من جسد المفكر وتفعل به ما تشاء، أما أفكاره فتطير كل مكان ولا يمكن اصطيادها بشص أو إسقاطها بسهم. ولقد عاشت المانوية أكثر من ألف عام بعد وفاة معلمها رغم أنف كل سلطة غاشمة. (2) المعتقد
إن العقيدة التي بشر بها ماني هي شكل من أشكال الغنوصية السورية البابلية، ولكن ماني قد تجاوز الحدود الضيقة للغنوصية فأسس لديانة شمولية تقوم على موروث غنوصي بالدرجة الأولى وموروث زرادشتي ومسيحي ويهودي، إضافة إلى العديد من التيارات الدينية والفلسفية الأخرى. إن توجه هذه الديانة إلى جميع بني البشر ونهجها التبشيري الإنساني يجعل منها ديانة عالمية توحيدية بكل امتياز.
تتفق المانوية مع الغنوصية في نقطتين رئيسيتين، الأولى هي أن العالم شر ومحكوم بالقوى الشريرة، والثانية هي أن العرفان لا الإيمان هو الذي يقود إلى خلاص الروح. فروح الإنسان هي قبس من النور الأعلى ومن جوهر الله، ولكنه قبس حبيس في سجن المادة. ثم تسير المانوية أبعد من ذلك عندما ترى أن العرفان الفردي يساهم بشكل فعال في عملية الخلاص الكونية التي يقودها الأب النوراني الأعلى، من أجل انتصار النور الطيب على الظلام الخبيث، وتحرير عناصر النور التي اختلطت بعناصر الظلمة. وهنا تلتقي المانوية مع الزرادشتية في التوكيد على مفهوم الثنوية؛ فهي تقول بوجود أصلين أو مبدأين هما النور والظلام، ولكن بينما ترى الزرادشتية أن النور قديم والظلام حادث، فإن المانوية ترى أن النور والظلام أزليان ومتساويان في القدم ولكنهما ليسا متساويين في الأبد، لأن الظلام يسير نحو التلاشي والنور يحتل مواقعه تدرجيا عبر مراحل التاريخ الثلاث التي كشفها الأب النوراني لرسوله، في المقطع الذي اقتبسناه آنفا: «وأباح لي معرفة السر المحجوب بخصوص عدد وأجيال البشر. السر العميق والعالي، سر النور والظلام، سر الصراع والحرب الماحقة. وعلمني ما هو كائن وما كان وما سيكون.»
في المرحلة الأولى السابقة على الخلق والتكوين كان الأصلان مستقلين ومنفصلين عن بعضهما. وعلى حد ما أورده ابن النديم فإن: «مبدأ العالم كونان، أحدهما نور والآخر ظلام، كل منهما منفصل عن الآخر. فالنور هو العظيم الأول، وهو الله ملك جنان النور ... وذلك الكون النير مجاور للكون المظلم لا حاجز بينهما، فلا نهاية للنور من فوقه ولا يمنته ولا يسرته، ولا نهاية للظلمة من سفلها ولا من يمنتها ولا من يسرتها. ومن الأرض المظلمة كان الشيطان الذي ليس أزليا بعينه رغم أن عناصره كانت أزلية.» وعلى حد ما أورده الشهرستاني في الملل والنحل: «ولم يزل النور يولد ملائكة لا على سبيل المناكحة بل كما تتولد الحكمة من الحكيم والمنطق الطيب من الناطق. وملك ذلك العالم هو روحه، ويجمع عالمه الخير والحمد والنور. كما أن الظلمة لم تزل تولد أراكنة وعفاريت، لا على سبيل المناكحة بل كما تتولد الحشرات من العفونة القذرة. وملك ذلك العالم هو روحه، ويجمع عالمه الشر والذميمة والظلمة.»
في المرحلة الثانية، وهي مرحلة الخلق والتكوين وما تلاها إلى يوم الناس هذا، امتزجت الظلمة بالنور وتصارع الأصلان القديمان. يقول الشهرستاني: «ثم اختلفت المانوية في المزاج وسببه، والخلاص وسببه. قال بعضهم إن النور والظلام امتزجا بالخبط والاتفاق لا بالقصد والاختيار. وقال أكثرهم إن سبب المزاج أن أبدان الظلمة تشاغلت عن روحها بعض التشاغل، فنظرت الروح فرأت النور فبعثت الأبدان على ممازجة النور، فأجابتها الأبدان لإسراعها إلى الشر. فلما رأى ذلك ملك النور وجه إليها ملاكا من ملائكته، فاختلطت الأجناس النورانية بالأجناس الظلامية ... فلما رأى ملك النور هذا الامتزاج أمر ملاكا من ملائكته فخلق هذا العالم على هذه الهيئة، لتتخلص أجناس النور من أجناس الظلمة.» كما نقرأ لابن النديم في أمر الامتزاج وخلق العالم: «فلما تكون هذا الشيطان من الظلمة تسمى إبليس القدي، ثم راح هذا الإبليس يتحرك يمنة ويسرة وإلى الأسفل، ولما رام العلوم رأى لمحات النور فأعد نفسه وتسلح استعدادا للانقضاض على مملكة النور من أسفلها، فعلم به ملك جنان النور واحتال لقهره. كان جنوده قادرين على قهر إبليس، ولكنه أراد أن يتولى ذلك بنفسه فأولد مولودا هو الإنسان القديم
4
وندبه لقتال الظلمة ... فتدرع الإنسان القديم بالأجناس النورانية الخمسة وهي: النسيم والريح والنور والماء والنار، واتخذها سلاحا وانحط بسرعة إلى مكان إبليس. وعمد إبليس إلى أجناسه الظلامية الخمسة وهي: الدخان والحريق والظلمة والسموم والسم، فتدرعها ولقي الإنسان القديم فاقتتلوا مدة طويلة، ولكن إبليس ظهر على الإنسان القديم وبلع من نوره وأحاط به مع أجناسه وعناصره، ولكن ملك جنان النور أرسل وراءه نجدة من قوى عالم النور خلصت الإنسان القديم وأسرت من أرواح الظلمة ... وحدث لما شابك إبليس القديم بالإنسان القديم بالمحاربة، أن اختلط من أجزاء النور الخمسة بأجزاء الظلمة الخمسة. «فلما اختلطت الأجناس الظلامية الخمسة بالأجناس النورية، نزل الإنسان القديم إلى غور العمق فقطع أصول الأجناس النورية لئلا تزيد، ثم انصرف إلى موضعه من الناحية الحربية، فأمر بعض الملائكة باجتذاب ذلك المزاج إلى جانب من أرض الظلمة يلي أرض النور، فعلقوهم بالعلو. وبعد ذلك أمر ملك عالم النور بعض ملائكته بخلق هذا العالم وبنائه من تلك الأجزاء الممتزجة، من أجل تخليص أجناس النور من أجناس الظلمة، فبنى عشر سماوات وثماني أرضين ووكل ملاكا بحمل السماوات وآخر برفع الأرضين، وجعل حول هذا العالم خندقا ليطرح فيه الظلام الذي يستصفى من النور، ثم خلق الشمس والقمر لاستصفاء ما في العالم من النور، فالشمس تستصفي النور الذي امتزج بشياطين الحر، والقمر وسائر النجوم تستصفي النور الذي امتزج بشياطين البرد.»
Bilinmeyen sayfa