Rahman ve Şeytan
الرحمن والشيطان: الثنوية الكونية ولاهوت التاريخ في الديانات المشرقية
Türler
لم أقم بعمل شرير يؤذي أحدا من الناس، لم أكن سيئا في معاملة الماشية والأنعام. لم أقترف خطيئة في مكان الصدق (= المعبد)، لم أحاول معرفة ما لا يجب على الإنسان الفاني معرفته، لم أجدف على أحد من الآلهة، لم أكن قاسيا على أحد من الفقراء، لم أقم بعمل تمقته الآلهة، لم أشوه سمعة عبد أمام سيده، لم أتسبب بمرض أحد، لم أتسبب بحزن وبكاء أحد، لم أقتل ولم أعط أمرا بالقتل، لم أتسبب في عذاب أحد، لم أمارس الجنس مع غلام، لم أزد ولم أنقص في مكيال الحبوب، لم أغش في مقياس المساحة، لم أتلاعب بوزنات الميزان، لم أغش في كفة ميزان، لم أحرم الأطفال من حليبهم، لم أحرم المواشي من مراعيها، لم أمسك الطيور في حرم الآلهة، لم أصطد الأسماك في بحيرات حرم الآلهة، لم أمنع الماء عن الآخرين في مواسم السقاية، لم أضع ردما أمام الماء الجاري في السواقي، لم أطفئ شعلة نار لأحد، لم أتناس مواعيد تقديم القرابين ... إلخ.
بعد ذلك يؤتى بالميت أمام الميزان فيوضع قلبه في إحدى الكفتين وريشة طائر في الكفة الأخرى، وهي رمز معات إلهة العدالة والنظام والحقيقة. والمطلوب هنا أن يتساوى بدقة قلب الإنسان (الذي هو مقر العقل والعواطف والأفكار والنوايا، وبالتالي يحتوي سجلا كاملا لجميع الأعمال) مع رمز الحقيقة والقانون والنظام. وبعد أن يقوم أنوبيس بفحص النتيجة يبلغها إلى الإله تحوت الواقف خلفه فيدونها في سجل يمسك به ثم يعلنها لأوزوريس، إذا وجد الميت مذنبا انقض عليه الوحش فالتهمه ومحي من الوجود ذكره، وإذا وجد بريئا اقتاده الإله حوروس إلى حضرة أوزوريس وخاطبه قائلا: جئت إليك بفلان الذي وجدنا قلبه صالحا، وقد اجتاز الميزان، لقد وزن قلبه وفقا للأمر الذي نطقت به جماعة الآلهة، فامنحه كعكا وجعة واسمح له بالدخول إلى حضرتك، عند ذلك يركع الميت أمام أوزوريس ويخاطبه قائلا: أنا في حضرتك يا رب، ليس في ذنب، فأنا ما كذبت عمدا ولا فعلت شيئا عن سوء نية، فاجعلني بين من آثرتهم بفضلك وجعلتهم في صحبتك، لعلي أصير أوزوريسا يؤثره الإله الجميل بفضله، ومحبوبا من رب العالمين. وهنا يجيئه الجواب المنتظر من أوزوريس: دعوا الميت ينصرف سالما منتصرا، دعوه يمضي حيث يشاء، ويعيش في صحبة الآلهة وبقية الأرواح الصالحة.
تدعى الجنة الأوزيرية في النصوص المصرية بحقول القصب، وهي عبارة عن أرض خصبة تقع وراء الأفق الغربي، وتتخللها شبكة من القنوات المائية العذبة تجعلها أشبه بالجزر المتقاربة، وتهبها خصبا وخضرة دائمة، فيها ينمو الزرع والشجر من كل نوع، وفيها تعيش أرواح الصالحين خالدة إلى أبد الآبدين. أما عن علاقة روح الميت بجسده الذي تركه في القبر، فمسألة إشكالية في المعتقدات المصرية، ذلك أن النصوص تشير صراحة إلى أن روح الإنسان الصالح تنتقل من الجسد لتعيش مع الأبرار والآلهة، أما الجسد الفيزيائي فلا يبعث أبدا ولا يغادر القبر، ومع ذلك فقد استمر المصريون يحافظون على جثث أمواتهم منذ بدايات التاريخ المصري وحتى نهاياته. فما فائدة الجسد المادي إذا لم يكن معدا للبعث ولحلول الروح فيه مرة أخرى؟ إن الجواب على هذا السؤال ليس بالأمر السهل، وأي جواب لن يكون قاطعا بحال من الأحوال؛ فنحن في دراستنا للدين المصري لا نقف أمام معتقد موحد وثابت، بل أمام معتقد متغير تتداخل حلقاته عبر ثلاثة آلاف سنة، وتحتوي كل حلقة من هذه الحلقات على أثر باق من سابقتها، يضاف إلى ذلك أن الكهنة المصريين لم يعمدوا أبدا إلى إنتاج لاهوت متكامل متماسك، ولم يعبروا عن معتقداتهم بطريقة منظمة، مثلما لم يدونوا أساطيرهم المتداولة بنصوصها الكاملة، بل اكتفوا بالإشارات والتلميحات وإيراد مقتطفات منها ومشاهد تفي بالأغراض الطقسية. ولعل الجواب الأكثر إقناعا عن علاقة الروح بالجسد، هو أن طقوس الدفن وما يرافقها من تعاويذ وصيغ سحرية تحيل الجثة المحفوظة إلى نوع من الجسد الأثيري الذي ينبثق منها ويتجه إلى العالم الآخر، وهذا الجسد الأثيري الذي يشبه تماما الجسد المحفوظ، هو الذي تبعث فيه الروح إلى حياتها الأخرى، يضاف إلى ذلك أن الروح، ولأسباب نجهلها، تبقى بحاجة لأن تزور جسدها من وقت لآخر وتقيم معه لفترات تطول أو تقصر.
خلاصة
تقدم لنا ديانة مصر القديمة نموذجا عن كيفية الانتقال من مفهوم القطبية إلى شكل من أشكال مفهوم الثنوية، وعن الدور الذي تمارسه الأخلاق في هذا الانتقال، عندما تتحول من شأن دنيوي إلى شأن ديني، وما ينجم عن ذلك من ظهور فكرة الشيطان، وهي الفكرة التي تؤصل لمعتقد الآخروية والنهايات، ولكن المعتقد الأوزيري لم يصل بهذه الأفكار الدينية جميعها إلى نهاياتها المنطقية، لأن القطبية لم تتحول إلى ثنوية جذرية، ولا حتى إلى ثنوية أخلاقية تامة. فرغم علو شأن الأخلاق في العبادة الأوزيرية، فإنها لم تطغ تماما على الطقوس وبقيت التمائم والتلاوات السحرية وكلمات القوة وما إليها جزءا لا يتجزأ من الممارسات الدينية الأوزيرية مثلما كانت سابقا، ورغم كون أوزوريس إلها أخلاقيا إلا أنه لم يتحول إلى مبدأ كوني للخير، مثلما لم يتحول سيت إلى مبدأ كوني للشر، فرغم اتخاذ سيت للكثير من ملامح الشيطان الكوني، إلا أنه لم يتقمص فعلا شخصية الشيطان، لأن أهم سمة تميز الشيطان هي انقلابه على القوة الإلهية وتحوله إلى ملعون ورجيم من قبل إله الخير ورهطه السماوي، وهذا لم يحصل لسيت الذي بقي عضوا محترما في البانثيون الإلهي، وبقي الناس يعبدونه ويشيدون له المعابد والهياكل حتى نهايات التاريخ المصري، وبلغ من إجلال بعض الفراعنة له أن تسموا باسمه مثل سيتي الأول من أواخر القرن الثالث عشر ق.م.
ومن أهم نتاج تقصير ثنوية سيت-أوزوريس (أو سيت-حوروس بشكلها الجديد) عن بلوغ الثنوية الأخلاقية التامة، هي بقاء التصور المصري للتاريخ أسيرا لمفهوم التاريخ المفتوح، حيث الزمن الدنيوي عبارة عن سيالة متدفقة أبدا نحو اللانهاية، والتاريخ الإنساني بمحتواه التكراري يتحرك بشكل خطي دون هدف أو غاية. من هنا فقد غاب عن معتقد الثنوية الأوزيرية أهم عناصر الثنوية الأخلاقية الكاملة، وهو معتقد نهاية العالم، والبعث الأخير الشامل، وتحويل الوجود بأسره إلى مستوى ماجد وجليل في نهاية الزمن، وبقيت التصورات الآخروية في حدود القيامة الفردية والمصير الخاص لكل روح على حدة، الأمر الذي يترافق مع غياب مفهوم شامل عن الإنسانية والمجتمع الإنساني، ودور الإنسان كنوع متميز وخاص في دراما الخلاص العام.
على أن الأوزيرية قد قدمت لمفهوم الثنوية الكونية والتاريخ الدينامي، الذي سنراه في أكمل أشكاله في الديانة الزرادشتية، بعضا من أهم عناصره وهي: (1)
صلة الأخلاق بالدين، وصلة المصير الفردي بالأخلاق. (2)
القيامة الفردية، أو الصغرى. (3)
الثواب والعقاب الآخرويان. (4)
Bilinmeyen sayfa