Orta Çağlarda Müslüman Seyyahlar
الرحالة المسلمون في العصور الوسطى
Türler
مقدمة
سلام الترجمان
ابن وهب القرشي
سليمان السيرافي
ابن فضلان
أبو دلف
جغرافيو القرنين الثالث والرابع بعد الهجرة (9-10م)
قصة الفتية المغررين
محمد بن قو سلطان مالي
البيروني
Bilinmeyen sayfa
ناصر خسرو
الإدريسي
السمعاني
ابن جبير
الهروي السائح
أسامة بن منقذ
ياقوت الحموي
عبد اللطيف البغدادي
ابن سعيد وابن فاطمة
القزويني
Bilinmeyen sayfa
العبدري
البلوي
ابن بطوطة
عبد الباسط بن خليل بن شاهين الظاهري
الخاتمة
مراجع
مقدمة
سلام الترجمان
ابن وهب القرشي
سليمان السيرافي
Bilinmeyen sayfa
ابن فضلان
أبو دلف
جغرافيو القرنين الثالث والرابع بعد الهجرة (9-10م)
قصة الفتية المغررين
محمد بن قو سلطان مالي
البيروني
ناصر خسرو
الإدريسي
السمعاني
ابن جبير
Bilinmeyen sayfa
الهروي السائح
أسامة بن منقذ
ياقوت الحموي
عبد اللطيف البغدادي
ابن سعيد وابن فاطمة
القزويني
العبدري
البلوي
ابن بطوطة
عبد الباسط بن خليل بن شاهين الظاهري
Bilinmeyen sayfa
الخاتمة
مراجع
الرحالة المسلمون في العصور الوسطى
الرحالة المسلمون في العصور الوسطى
تأليف
زكي محمد حسن
فنحن الناس كل النا
س في البر وفي البحر
أخذنا جزية الخلق
من الصين إلى مصر
Bilinmeyen sayfa
إلى طنجة، بل في ك
ل أرض خيلنا تسري
إذا ضاق بنا قطر
نزل عنه إلى قطر
لنا الدنيا بما فيها
من الإسلام والكفر
فنصطاف على الثلج
ونشتو بلد التمر
أبو دلف مسعد بن المهلهل
مقدمة
Bilinmeyen sayfa
بسم الله الرحمن الرحيم
لما بدأ القرن الثامن الميلادي كان العرب قد امتدت فتوحاتهم وأصبح لهم ملك واسع الأرجاء. وفي بداءة هذا القرن فتحوا بلاد ما وراء النهر وبلاد الأندلس؛ فانبسطت إمبراطوريتهم من حدود الهند شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا، ومن آسيا الوسطى وجبال القوقاز شمالا إلى صحاري إفريقية جنوبا.
وكان لاختلاط العرب بالشعوب الأخرى أثر كبير في نشأة المدينة الإسلامية وتطورها، فملك العرب ناصية العلم والمعرفة، وحفظوا لأوروبا تراث اليونان، وتقدمت على يدهم العلوم المختلفة.
وأتيح للمسلمين في العصور الوسطى أن يحوزوا قصب السبق في ميدان الرحلات والاكتشافات والدراسات الجغرافية. وأفادت أوروبا مما كان عند المسلمين من علم بأجزاء العالم المعروفة في القرون الوسطى.
والحق أن ازدهار الحضارة الإسلامية ، وسيادة المسلمين في البر والبحر، وطبيعة الدين الإسلامي، كل ذلك كان من شأنه أن يشجع على الأسفار والرحلات. •••
فالجزء الأكبر من العالم المعروف في فجر الإسلام كانت تزدهر فيه مدنية الإسلام وتدير دفته حكومة إسلامية. ثم فقدت الإمبراطورية الإسلامية وحدتها السياسية منذ منتصف القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي)، ولكن روابط الدين واللغة والثقافة ظلت تجمع بين سكان الدول الإسلامية، فكانوا يشعرون بأنهم أبناء إمبراطورية إسلامية بعيدة الأطراف. وقد كانت تلك الروابط قوية في العصور الوسطى. ولم تكن القوميات الإقليمية قد عظم شأنها بعد. وكانت أنحاء هذا الملك الواسع الذي أسسه المسلمون تتطلب الدراسة والوصف، تمهيدا لتطبيق أحكام الشريعة، وتسهيلا لمهمة الولاة. فسافر القوم، لدراسة البلاد وطرقها وحاصلاتها وخراجها وما إلى ذلك، مما لا بد منه للتأليف في علم تقويم البلدان. وطبيعي أن تكون الرحلات والأسفار من أول السبل لطلب العلم في تلك العصور؛ فقد كانت الكتب نادرة، وكانت الدراسة العملية تقوم مقام ما نصنعه اليوم من تتبع المراجع والمؤلفات، التي تزدحم بها خزانات الكتب الخاصة والعامة. وفضلا عن ذلك فقد تعددت مراكز الثقافة في ديار الإسلام، وكان رجال العلم ينتقلون في طلبه من إقليم إلى آخر، يدرسون على مشاهير الأساتذة ويلقون أعلام الفقهاء والمحدثين واللغويين ثم الأطباء والفلاسفة والرياضيين. •••
وكذلك كان الحج من أعظم بواعث الرحلات، فإن ألوف المسلمين يتجهون كل عام من شتى أنحاء العالم الإسلامي إلى الحجاز، لتأدية فريضة الحج وزيارة قبر النبي. وكان الحجاج عند عودتهم إلى بلادهم يخبرون عن الطرق التي سلكوها والأحداث التي صادفوها. وقد كان النابهون منهم يدونون مشاهداتهم، ويعملون على أن ينفعوا المؤمنين بتجاربهم؛ فيصفون رحلاتهم، تسجيلا لفضلهم، وهداية لغيرهم، ولفتا لنظر أولي الأمر إلى ما يجب إصلاحه، كما كان أهل الخير والتقوى في شتى البلاد الإسلامية يرحبون بإخوانهم المسلمين الميممين شطر الأراضي المقدسة، ويعنون بإقامة الرباطات وحبس الأوقاف للإنفاق في سبيل راحتهم. •••
واتسع نطاق التجارة عند المسلمين اتساعا لم يبلغه عند شعب آخر قبل كشف أمريكا؛ فانتشرت قوافل التجار المسلمين في القسم الأعظم من العالم المعروف في ذلك العهد، وخاضت سفنهم عباب البحار والمحيطات، وازدهرت على أيديهم الطرق التجارية بين بحار الصين وآسيا الوسطى وسواحل بحر البلطيق والأندلس وشواطئ المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط وساحل أفريقيا الشرقي وجزر المحيط الهندي وصحاري السودان. وكان التجار يحملون السلع بين الأسواق المختلفة في العالم الممدن حينئذ، ويقومون بالرحلات الطويلة في هذا السبيل. وحسبنا أن نشير إلى الكنوز الوافرة من النقود الإسلامية التي عثر عليها في الروسيا وفنلندة والسويد والنرويج، بل في سويسرا وجزيرة أيسلندة والجزائر البريطانية. وترجع قطع العملة المذكورة إلى الفترة الواقعة بين نهاية القرن الأول وبداية الخامس بعد الهجرة (السابع وبداية الحادي عشر الميلادي). ولسنا نجزم بأن كثيرا من التجار المسلمين أنفسهم وصلوا إلى أيسلندة أو النرويج أو الجزر البريطانية، ولكن كتب الرحلات وتقويم البلدان عندهم تشير إلى ترددهم على جنوبي الروسيا، وإلى وصولهم أوروبا الوسطى. ويشهد ذلك كله بما كان للمسلمين من سيادة تجارية في تلك البقاع.
وقد كتب المقدسي بيانا بالسلع التي كان المسلمون يحصلون عليها من جنوبي الروسيا والبلاد الأوروبية الشمالية، وقوامها أنواع الفراء والجلود والشمع والنشاب والقلانس والغرا والعسل والسيوف والدروع والأغنام والبقر، كل ذلك فضلا عن الرقيق من الصقالبة. والمعروف أن المسلمين استعملوا لفظ «الصقالبة» بمعنى أوسع، فكان لا يشمل عندهم السلافيين حسب، بل امتد إلى الجرمان وسائر سكان أوروبا. أما أهم ما كان يحمله التجار المسلمون إلى تلك الأقاليم فالمنسوجات بأنواعها وبعض التحف المعدنية ثم الفاكهة. وسوف نرى عند الكلام على الرحالة أنفسهم عظم تجارة المسلمين في شرقي أفريقيا ووسطها وإقليم غانة وفي بحار الصين وجزر الهند الشرقية. وحسبنا ما ذكره ابن جبير وابن بطوطة من أن التجار في عدن كانت لهم ثروات طائلة، وكان بعضهم يملك المراكب العظيمة لنقل سلعهم. أما التجارة بين الشرق الأدنى والأمم المسيحية في البحر الأبيض المتوسط، فقد كان معظمها في يد اليهود،
1
Bilinmeyen sayfa
ولكن الرحالة والتجار المسلمين كانوا يزورون القسطنطينية والمدن التجارية في شبه جزيرة إيطاليا، وكان للمنسوجات الشرقية والسجاد سوق رائجة في أوروبا .
ومن الطريف أن بعض المسلمين كانوا يجمعون بين التجارة وطلب العلم، من ذلك أن أحد رفقاء المقدسي في السفينة إلى عدن صارحه بأنه يخشى عليه إذا دخل هذا الثغر «فسمع أن رجلا ذهب بألف درهم فرجع بألف دينار وآخر دخل بمائة فرجع بخمسمائة، طلبت نفسه التكاثر»، وانصرف عن جمع العلوم إلى التجارة. فدعا المقدسي أن يعصمه الله، ولكنه لما دخل عدن وسمع عن إثراء التجار أكثر مما قال رفيقه في السفينة، غره ذلك وعقد العزم على السفر بتجارة إلى ساحل إفريقية الشرقي، واشترى مع شريك له ما يلزم للتجارة مع تلك الأقاليم، ولم يثنه عن هذا العزم ويبقه لطلب العلم إلا موت هذا الشريك. وسيمر بنا في الصفحات التالية أن ياقوت صاحب «معجم البلدان» كان ممن رحلوا للتجارة وطلب العلم. •••
وكان بعض أمراء المسلمين يوفدون الرسل والسفراء إلى غيرهم من أمراء المسلمين، فدعا ذلك أحيانا إلى القيام برحلات طريفة إلى أصقاع لا يألفها المسلمون. من ذلك رحلة ابن فضلان إلى جنوبي الروسيا. ومن ذلك أيضا السفارة الأندلسية نحو سنة (362ه/973م) إلى أوتو الأكبر إمبراطور الجرمان. والمحتمل أن بعض أعضاء تلك السفارة كانوا مصدر ما كتبه القزويني عن بعض البلاد الألمانية.
وطبيعي أن كثيرين من المسلمين كانوا يرحلون سعيا في طلب الرزق. وحسبنا أن نشير إلى الخياط البغدادي الذي قابله الرحالة ابن فضلان في إقليم الفولجا. ثم كان أعلام الفنانين ومهرة الصناع ينتقلون من إقليم إلى آخر لينتفع الأمراء بجهودهم؛ أو كانوا يؤمرون بالسفر إلى بعض الأطراف النائبة، للاشتراك في المنشآت الجديدة، أو المساهمة في تجديد بناء أو زخرفة عمارة أو إنتاج التحف الفنية النفيسة.
ولسنا ننسى في هذه المناسبة أن إكرام الضيف عند الشرقيين، وبساطة العيش في القرون الوسطى، وحث الإسلام على السفر بتخفيف بعض الواجبات الدينية على المسافرين، كل ذلك سهل الرحلات وشجع على القيام بها. •••
ومن المحتمل أن إباحة تعدد الزوجات في الإسلام كانت تخفف بعض متاعب الأسفار، ولا تجعل الرحالة المسلمين محل شكوك أو مصدر متاعب اجتماعية. فكان بعضهم يتزوج في البلاد التي ينزل فيها فترة من الزمن. ومن الطريف في هذا الصدد أن الرحالة ابن بطوطة تزوج في مصر مرتين على الأقل، وكانت له في جزائر الملديف أربع زوجات. وقد كتب عن هذه الجزائر: «والتزوج بهذه الجزائر سهل، لندارة الصداق، وحسن معاشرة النساء ... وإذا قدمت المراكب تزوج أهلها النساء. فإذا أرادوا السفر طلقوهن. وهن لا يخرجن عن بلادهن أبدا ... ولم أر في الدنيا أحسن معاشرة منهن. ولا تكل المرأة عندهم خدمة زوجها إلى سواها؛ بل هي تأتيه بالطعام، وترفعه من بين يديه، وتغسل يده، وتأتيه بالماء للوضوء، وتغم رجليه عند النوم. ومن عوائدهن ألا تأكل المرأة مع زوجها. ولا يعلم الرجل ما تأكله المرأة. ولقد تزوجت بها نسوة؛ فأكل معي بعضهن بعد محاولة، وبعضهن لم تأكل معي، ولا استطعت أن أراها تأكل.» وكذلك أعجبه من نساء مدينة زبيد باليمن «أن للغريب عندهن مزية؛ ولا يمتنعن من تزوجه، كما يفعله نساء بلادنا (أي: المغرب). فإذا أراد السفر خرجت معه وودعته. وإن كان بينهما ولد فهي تكفله، وتقوم بما يجب له، إلى أن يرجع أبوه. ولا تطالبه في أيام الغيبة بنفقة ولا كسوة ولا سواها. وإذا كان مقيما، فهي تقنع منه بقليل النفقة والكسوة. لكنهن لا يخرجن عن بلدهن أبدا. ولو أعطيت إحداهن ما عسى أن تعطاه، على أن تخرج من بلدها لم تفعل». •••
ومن القصص الطريفة التي تشهد باتساع الأسفار الإسلامية قصة رواها الرحالة ابن بطوطة الذي سيلي ذكره في هذا الكتاب. وتشير هذه القصة إلى أن الرحالة المسلم كان يعثر أحيانا في أبعد آفاق المعمورة عن بلاده على مواطن له من التجار أو السياح. قال ابن بطوطة في كلامه على إقامته بمدينة قنجنفو بالصين: «وبينما أنا يوما في دار ظهير الدين القرلاني، إذا بمركب عظيم لبعض الفقهاء المعظمين عندهم، فاستؤذن له علي. وقالوا: مولانا قوام الدين السبتي؛ فعجبت من اسمه. ودخل إلي. فلما حصلت المؤانسة بعد السلام، سنح لي أني أعرفه. فأطلت النظر إليه. فقال: أراك تنظر إلي نظر من يعرفني! فقلت له: من أي البلاد أنت؟ فقال: من سبته (على شاطئ مراكش في مواجهة جبل طارق). فقلت له: وأنا من طنجة. فجدد السلام علي، وبكى حتى بكيت لبكائه. فقلت له: هل دخلت بلاد الهند؟ فقال لي: نعم، دخلت حضرة دهلي. فلما قال لي ذلك تذكرت له. وقلت: أأنت البشري؟ قال: نعم. وكان وصل إلى دهلي مع خاله أبي القاسم المرسي، وهو يومئذ شاب لا نبات بعارضيه من حذاق الطلبة يحتفظ الموطأ. وكنت أعلمت سلطان الهند بأمره، فأعطاه ثلاثة آلاف دينار، وطلب منه الإقامة عنده فأبى. وكان قصده في بلاد الصين. فعظم شأنه بها واكتسب الأموال الطائلة. أخبرني أن له نحو خمسين غلاما ومثلهم من الجواري. وأهدى إلي منهم غلامين وجاريتين وتحفا كثيرة. ولقيت أخاه بعد ذلك ببلاد السودان. فيا بعد ما بينهما!» •••
وهكذا نرى أن المسلمين في العصور الوسطى أتيح لهم القيام بكثير من الرحلات والأسفار. والحق أن ما كتبه المؤلفون المسلمون فيما بين القرنين الثالث والتاسع بعد الهجرة (التاسع والخامس عشر بعد الميلاد) عن الرحلات كثير جدا، ولكن المعروف أن الرحالة لم يكتبوا أخبار رحلاتهم في مؤلفات قائمة بذاتها إلا نادرا. أما معظمهم فقد أدمجوا حديث تلك الرحلات فيما ألفوه من كتب التاريخ أو تقويم البلدان. كما أشار بعض المؤلفين إلى رحلات قام بها غيرهم ولم يصل إلينا شيء عنها من تأليف أصحابها أنفسهم. وفضلا عن هذا كله فثمة رحلات قام بها الملاحون التجار ضاعت أخبارها أو لم يدونها أصحابها، وإن كانوا من المصادر التي نقل عنها المؤرخون والجغرافيون الكثير من وصف البلاد النائبة، والتي يرجع إليها ما نراه من قصص البحر في الأدب العربي مثل قصة السندباد البحري.
سلام الترجمان
إن رحلة سلام الترجمان إلى سور الصين الشمالي قد تكون حقيقة تاريخية، وإن كان سببها الذي يذكره الجغرافيون العرب - كالقزويني وياقوت - على لسان الرحالة نفسه، أشبه بأسطورة خيالية. والظاهر أن حديثها كان مشهورا في العصور الوسطى. وقصة هذه الرحلة أن سلاما الترجمان يزعم أن الخليفة العباسي الواثق بالله (227-232ه/842-847م) رأى في المنام أن السد الذي بناه الإسكندر ذو القرنين (والذي يقع بين ديار المسلمين وديار يأجوج ومأجوج) مفتوح؛ فأرعبه هذا المنام، وأمر سلاما بأن يرحل ليتفقد السد. فسار الترجمان من مدينة سر من رأى، ومعه خمسون رجلا ومائتا بغل تحمل الزاد والماء، وكان الخليفة قد أعطاه كتابا إلى حاكم أرمينية ليقضي حوائجهم ويسهل مهمتهم. فعني هذا الحاكم بالرحالة ورجاله، وزودهم بكتاب توصية إلى حاكم إقليم السرير. وكتب لهم هذا الحاكم إلى أمير إقليم اللان. وكتب هذا الأمير إلى فيلانشاه. وكتب لهم فيلانشاه إلى ملك الخزر في إقليم بحر قزوين؛ فوجه معهم خمسة من الأدلاء وسار الجميع ستة وعشرين يوما؛ فوصلوا إلى أرض سوداء كريهة الرائحة وكانوا قد حملوا معهم بإشارة الأدلاء خلا لتخفيف هذه الرائحة. وسار الركب في تلك الأرض عشرة أيام ثم وصلوا إلى إقليم فيه مدن خراب، وساروا فيها سبعة وعشرين يوما. وقال الأدلاء: إن شعب يأجوج ومأجوج هو الذي خرب تلك المدن. وانتهوا إلى جبل فيه السور المنشود. وعلى مقربة منه حصون تسكنها أمة مسلمة تتكلم العربية والفارسية؛ ولكنها لم تسمع بخليفة المسلمين قط. وتقدم الركب إلى جبل لا نبات عليه يقطعه واد عرضه مائة وخمسون ذراعا. وفي الوادي باب ضخم جدا من الحديد والنحاس، عليه قفل طوله سبعة أذرع وارتفاعه خمسة، وفوق الباب بناء متين يرتفع إلى رأس الجبل. وكان رئيس تلك الحصون الإسلامية يركب في كل جمعة ومعه عشرة فرسان، مع كل منهم مرزبة من حديد، فيجيئون إلى الباب ويضربون القفل ضربات كثيرة؛ ليسمع من يسكنون خلفه، فيعلموا أن للباب حفظة، وليتأكد الرئيس وأعوانه الفرسان من أن أولئك السكان لم يحدثوا في الباب حدثا.
Bilinmeyen sayfa
ولما فرغ سلام الترجمان ورفقاؤه من مشاهدة السور رجعوا إلى سر من رأى مارين بخراسان. وكان غيابهم في هذه الرحلة ثمانية عشر شهرا.
وقد ذكر المستشرق الفرنسي كرادي فو
Carra de Vaux
أن من المحتمل أن هذه الرحلة كانت إلى الحصون الواقعة في جبال القوقاز، وعلى مقربة من دربند (أو باب الأبواب)، في إقليم داغستان غربي بحر قزوين. ومهما يكن من الأمر فإننا لا نعرف عنها إلا بعض المقتطفات في كتب التاريخ والجغرافية، ولا سيما «نزهة المشتاق» للإدريسي و«معجم البلدان» لياقوت. •••
ومن غريب ما نقله أبو حامد الأندلسي في كتاب «العجائب» عن سلام الترجمان أنه قال:
وأقمت عند ملك الخزر أياما، ورأيت أنهم اصطادوا سمكة عظيمة جدا وجذبوها الجبال، فانفتح أذن السمكة وخرجت منها جارية بيضاء حمراء طويلة الشعر حسنة الصورة، فأخرجوها إلى البر وهي تضرب وجهها وتنتف شعرها وتصيح، وقد خلق الله تعالى في وسطها غشاء كالثوب الصفيق من سرتها إلى ركبتها كأنه إزار مشدود على وسطها، فأمسكوها حتى ماتت.
وقد تساءل الدكتور حسين فوزي في كتابه «حديث السندباد القديم» (ص135) عن تفسير ما رأى سلام الترجمان عند ملك الخزر، وكتب في ذلك: «أيكون الملك قد عرض على خليفة المسلمين منظرا تمثيليا من نوع «البانتوميم» احتفاء به واحتفالا بقدومه، وفهمه هذا الساذج على أنه حقيقة؟ أو أن ملك الخزر كان ماجنا مهزارا لا يرى عيبا أن يسخر من ضيفه فيدخل عليه منظر الغانية التي تخرج من أذن سمكة عظيمة جدا، فيبتلع (أي: فيصدق) سلام المنظر والغانية والسمكة الكبيرة؟» وعندنا أن من المحتمل أيضا أن يكون سلام الترجمان سمع من بعض العامة في بلاد الخزر حديث تلك السمكة، فعلقت بذهنه ونسبها إلى مشاهداته الخاصة.
ابن وهب القرشي
كان ابن وهب من ذوي الثروة والجاه في العراق ومن ولد هبار بن الأسود. وتذكر بعض المصادر التاريخية أنه قام برحلة إلى الصين نحو سنة (256ه/870م)، فترك مدينة البصرة عندما خربها الزنج وخرج من ميناء سيراف على بعض مراكب هندية. وساح طويلا في ممالك الهند، إلى أن انتهى إلى مدينة خانفو (كنتون) بمملكة الصين. ثم تقدم إلى مدينة خمدان عاصمة تلك المملكة، وتقع هذه المدينة على مقدار شهرين من خانفو. والتمس ابن وهب مواجهة الإمبراطور؛ ولكنه لم يفلح إلا بعد انتظار طويل، وبعد أن أرسل الإمبراطور إلى حاكم خانفو يأمره بالبحث عن حقيقة ابن وهب، والاستفسار من التجار العرب عما يدعيه من قرابته لنبي المسلمين. فلما كتب الحاكم بصحة نسبه أكرم الإمبراطور مثواه وأذن له في الوصول إليه وناقشه في الدين والسياسة؛ ثم عرض عليه صور بعض الأنبياء، مثل نوح في السفينة، وموسى وبني إسرائيل، وعيسى على حماره والحواريون معه، ثم محمد على جمل وأصحابه محدقون به.
1
Bilinmeyen sayfa
وأمر له بعد ذلك بالهدايا النفيسة. وأوصى به حاكم خانفو.
ولا نعرف أن ابن وهب دون ما شاهده في رحلته، ولكن لا شك في أنه تحدث عنها. وقد أفاد من هذا الحديث مؤلف اسمه أبو زيد حسن، سوف يأتي الكلام عليه. كما أشار المسعودي إلى هذه الرحلة في كتابه «مروج الذهب»، في الفصل الذي عقده للحديث عن ملوك الصين. وقد رجح المستشرق رينو
Reinaud
أن أبا زيد حسن لقي المسعودي وتبادلا ما كانا يعرفانه عن الهند والصين والبحار الشرقية.
سليمان السيرافي
تشير المصادر التاريخية في اللغتين العربية والصينية إلى وجود جموع من المسلمين في الصين في عهد أسرة تنج التي حكمت الصين بين عامي 618 و906م وكان معظمهم من التجار الذين نزلوا الثغور.
وكان التجار المسلمون المنصرفون إلى الشرق الأقصى يبحرون من البصرة ومن سيراف على الخليج الفارسي أو «الخليج الصيني»، كما كانوا يسمونه أحيانا في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي). وكانت السفن الصينية الكبيرة تصل إلى ثغر سيراف، وتشحن بالبضائع الواردة من البصرة؛ ثم تتجه إلى ساحل عمان وتعبر المحيط الهندي مارة بسرنديب وجزائر البحار الجنوبية، حتى تصل إلى مدينة خانفو، حيث كانت تعيش جالية إسلامية وافرة العدد عظيمة الشأن. وفي كتاب المسالك والممالك لابن خرداذبه عبارة تفيد أن بعض تجار المسلمين وصلوا إلى شبه جزيرة كوريا.
والمعروف أن قدوم التجار الصينيين أنفسهم إلى الخليج الفارسي، أخذ يهبط تدريجيا منذ بداية القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)؛ على حين زاد سفر العرب إلى البحار الجنوبية. ثم حدث أن خرج ثغر خانفو نحو سنة (264ه/878م)؛ بسبب بعض الاضطرابات في بلاد الصين؛ فقتل كثير من المسلمين، ولم تعد المواصلات البحرية تامة الانتظام بين الصين والشرق الأدنى في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي). وأصبحت السفن من الجانبين لا تبحر إلا إلى مدينة في منتصف الطريق بين البلدين تسمى «كلاه»، اشتهرت بمناجم القصدير. وأكبر الظن أنها كانت من ثغور الشاطئ الغربي في ملقا.
وقد أشار أبو زيد حسن والمسعودي إلى هذه الحالة في حديثهما عن رجل من أهل مدينة سمرقند: «خرج من بلاده ومعه متاع كثير حتى انتهى إلى العراق، فحمل من جهازه وانحدر إلى البصرة، وركب البحر حتى وصل إلى بلاد عمان، وركب إلى بلاد «كلاه» وهي النصف من طريق الصين أو نحو ذلك، وإليها تنتهي مراكب الإسلام من السيرافيين والعمانيين في هذا الوقت، فيجتمعون مع من يرد من أرض الصين في مراكبهم. وقد كانوا في بدء الزمان بخلاف ذلك، وذلك أن مراكب الصين كانت تأتي بلاد عمان وسيراف من ساحل فارس وساحل البحرين والأبلة والبصرة ... ولما عدم العدل وفسدت النيات ... التقى الفريقان جميعا في هذا النصف. ثم ركب هذا التاجر من مدينة كلاه في مراكب الصين إلى مدينة خانفو.» •••
ومن المسلمين الذين زاروا الهند والصين عدة مرات رحالة عربي اسمه سليمان، لا نكاد نعرف شيئا عن ترجمة حيات، ولكن وصف سياحته في الهند والصين انتهى إلينا. فقد كتبه سنة (237ه/851م) ولهذا الوصف ذيل وضعه في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) مؤلف من سيراف اسمه أبو زيد حسن، واعتمد فيه على ما سمعه من قصص الرحالة والتجار في بحار الصين، ولا سيما ابن وهب الذي مر ذكره. وقد طبعت هذه الرحلة سنة (1811) على يد المستشرق لانجلس
Bilinmeyen sayfa
Langlès
ثم نشرها المستشرق رينو
Reinaud
مع ترجمة فرنسية سنة (1845). كما أحاط بها المستشرق فران
Ferrand
في مجموعة الرحلات والنصوص الجغرافية العربية والفارسية والتركية الخاصة بالشرق الأقصى، والتي ترجمها إلى الفرنسية وعلق عليها ونشرها في مؤلف من مجلدين.
وتحدث الدكتور حسين فوزي عن هذه الرحلة في كتابه «حديث السندباد القديم» (ص21-32)، وقال: إنها «تعد من أهم الآثار العربية عن الرحلات البحرية في المحيط الهندي وبحر الصين في القرن التاسع. وربما كانت الأثر العربي الوحيد الذي يتحدث عن سواحل البحر الشرقي الكبير والطريق الملاحي إليها على أساس الخبرة الشخصية مع التزام الموضوع، وعدم الخروج عنه إلى أحاديث تاريخية وغيرها مما عودنا الجغرافيون والمؤرخون العرب؛ وإذا رأينا فيما بعد ابن خرداذبة وابن الفقيه والإصطخري وابن حوقل والمسعودي يتكلمون على أساس من المعرفة الشخصية لبعض المواضع التي يذكرونها، فإنهم أيضا ينقلون الكثير عن ذلك الأثر العربي الأول بلفظه ومعناه في بعض الأحيان، وبما يكاد يكون لفظه ومعناه في البعض الآخر.
وتمتاز رحلة سليمان والذيل الذي وضعه أبو زيد بما فيهما من وصف صادق للطرق التجارية، ولبعض العادات والنظم الاجتماعية والاقتصادية، ولأهم المنتجات في الهند وسرنديب وجاوه والصين، مع قلة الخرافات والأساطير التي تكثر في أحاديث البحارة. وتمتازان أيضا بالأخبار الوافية عن علاقة المسلمين بالصين في القرنين الثالث والرابع بعد الهجرة (التاسع والعاشر بعد الميلاد). من ذلك أن مدينة خانفو، أكبر أسواق الصين حينئذ، كان فيها رجل مسلم «يوليه صاحب الصين الحكم بين المسلمين الذين يقصدون إلى تلك الناحية ... وإذا كان في العيد صلى بالمسلمين وخطب ودعا لسلطان المسلمين»، والواقع أن المصادر الصينية تشهد بوجود هذا النوع من الامتيازات، وبأنه امتد إلى الجاليات الإسلامية الأخرى في سائر مدن الصين؛ فكان لكل منها قاضيها وشيوخها ومساجدها وأسواقها، وإن كانت الحكومة الصينية احتفظت لنفسها بحق النظر في الجرائم التي قد يترتب عليها النفي أو الإعدام. والحق أن الاختصاصيين في الدراسات الصينية من المستشرقين ثبت عندهم صدق كثير مما جاء في حديث سليمان عن أحوال الصين الاجتماعية.
ومن الطريف أن سليمان السيرافي أول مؤلف غير صيني يشير إلى الشاي. وذلك حين يذكر أن ملك الصين يحتفظ لنفسه بالدخل الناتج من محاجر الملح ومن نوع من العشب، يشربه الصينيون في الماء الساخن ويباع منه الشيء الكثير في جميع مدنهم ويسمونه «ساخ».
وقال سليمان في وصف بعض جزائر المحيط الهندي أن لأهلها ذهابا كثيرا «وأكلهم النارجيل وبه يتأدمون ويدهنون، وإذا أراد واحد منهم أن يتزوج. لم يزوج إلا بقحف رأس رجل من أعدائهم، فإذا قتل اثنين زوج اثنين، وكذلك إن قتل خمسين زوج خمسين امرأة بخمسين قحفا، وسبب ذلك أن أعداءهم كثير، فمن أقدم على القتل أكثر كانت رغبتهم فيه أوفر».
Bilinmeyen sayfa
ومما ذكره أبو زيد حسن، في الذيل الذي وضعه لرحلة سليمان، أن السفن القادمة من سيراف متجهة إلى البحر الأحمر كانت إذا وصلت جدة أقامت بها، ونقل ما فيها من السلع إلى مراكب خاصة تحمله إلى مصر، وتسمى مراكب القلزم؛ وذلك لأن المراكب الأخرى كانت لا تستطيع الملاحة في شمالي البحر الأحمر.
وأتى أبو زيد بكثير من أخبار الهند وسائر الأقاليم المطلة على المحيطين الهندي والهادي، وتحدث عن العنبر واللؤلؤ والمسك ومصادرها. وأشار إلى قلة الاتصال بالصين بعد رحلات سليمان وذلك بسبب قيام ثورات فيها.
ابن فضلان
هو أحمد بن فضلان بن العباس بن راشد. كان مولى لأحد الخلفاء العباسيين وللقائد محمد بن سليمان، الذي أفلح في هزم الدولة الطولونية وإعادة مصر إلى حظيرة الخلافة سنة (292ه/905م). ولسنا نعرف من سيرة ابن فضلان شيئا كثيرا. والذي لا نشك فيه أنه قام سنة (309ه/921م) برحلة إلى بلاد البلغار. وهم الشعب الذي أسس في بداءة العصور الوسطى دولتين: أقدمهما في حوض الفولجا الأوسط (أو نهر أتل كما تسميه المصادر العربية)، والأخرى في حوض الطونة. والأولى هي التي زارها ابن فضلان وانتشر فيها الإسلام. وتطلق كلمة بلغار على الشعب وعلى البلاد، وعلى عاصمتها، التي كانت تقع شرقي نهر الفولجا، والتي لا يزال بعض أطلالها قائما على مقربة من مدينة قازان الحالية وعلى نحو ستة كيلومترات من شاطئ الفولجا الأيسر، وحيث الدرجة خمس وخمسون من العرض الشمالي وست وستون من الطول الشرقي. ولسنا نعرف على وجه التحقيق متى اعتنق البلغار الإسلام. فابن رسته الذي ألف كتابه «الأعلاق النفسية» حول سنة (291ه/903م) ذكر فيه أن «أكثرهم ينتحلون دين الإسلام، وفي محالهم مساجد ومكاتب ولهم مؤذنون وأئمة ... وملابسهم شبيهة بملابس المسلمين، ولهم مقابر مثل مقابر المسلمين». أما رحلة ابن فضلان فيبدو منها أنهم لم يدخلوا في الإسلام إلا قبيل زيارة هذا الرحالة.
والحق أن لهذه الرحلة شأنا خاصا؛ لأن ابن فضلان كان في بعثة أرسلها الخليفة العباسي المقتدر بالله إلى ملك البلغار، بعد أن أسلم وكتب إلى الخليفة يسأله «أن يبعث إليه من يفقهه في الدين، ويعرفه شرائع الإسلام ويبني له مسجدا، وينصب له منبرا ليقيم عليه الدعوة في جميع بلده وأقطار ملكته، ويسأله بناء حصن يتحصن فيه من الملوك المخالفين له». وقد أجابه الخليفة إلى طلبه. وأرسل إليه هذه السفارة، التي كان ابن فضلان الخبير الديني فيها، والتي كان على رأسها مندوب من الخليفة لبحث الأمور السياسية والحربية. وغادر المندوبون بغداد في (11 من صفر سنة 309ه/21 من يونية سنة 921م)، متجهين إلى بخارى فخوارزم فبلاد البلغار، حيث وصلوا في (12 من محرم سنة 310ه/12 من مايو سنة 922م).
ورسالة ابن فضلان في وصف هذه الرحلة نقل عنها المؤلفون المسلمون، منذ القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) كالإصطخري والمسعودي. ثم نقل ياقوت الحموي أجزاء كبيرة منها فيما كتبه عن مادة «أتل» و«باشغرد» و«بلغار» و«خزر» و«خوارزم». وقد نشرت هذه الرسالة لأول مرة بعناية المستشرق فرهن
Fraehn
في سنت بطرسبورج سنة (1823) ومعها مقتطفات أخرى مما كتبه المسلمون عن الروس.
1
وحديثا أفاد منها المستشرق الروسي برتولد في المقال الذي كتبه عن «البلغار» في دائرة المعارف الإسلامية، ثم الأستاذ الدكتور عبد الوهاب عزام في مقالين حديثين عن البلغار المسلمين. وقد عثر العالم التركي أحمد زكي الوليدي منذ عشرة أعوام على مخطوط من رحلة ابن فضلان أو في مادته من المقتبسات المعروفة وله مقدمة وصف فيها رحلته عبر فارس وبخارى وخوارزم في طريقه إلى بلاد البلغار، كما أنه يحتوي على كثير من الزيادات والتفصيلات.
Bilinmeyen sayfa
والحق أن ابن فضلان ترك لنا في وصف رحلته صورة واضحة للبلغار وحضارتهم وعادتهم وتجارتهم. ويشهد ما كتبه في هذا الصدد بأنهم كانوا لا يزالون دون ما وصل إليه المسلمون في مدينتهم، وإن بدت بعض عاداتهم طريفة، كأن يأكل كل واحد من مائدته لا يشاركه فيها أحد ولا يتناول من مائدة غيره شيئا ، وكلبسهم القلانس يرفعونها عن الرأس ويجعلونها تحت الإبط للتحية وإظهار الاحترام.
ويلوح أن علاقة ملك البلغار بشعبه كانت علاقة أبوية وديمقراطية؛ فقد دون ابن فضلان أن «كل من زرع شيئا أخذه لنفسه، ليس للملك فيه حق؛ غير أنهم يؤدون إليه من كل بيت جلد ثور. وإذا أمر سرية بالغارة على بعض البلدان كان له معهم حصة ... وكلهم يلبسون القلانس فإذا ركب الملك ركب وحده بغير غلام ولا أحد معه. فإذا اجتاز في السوق لم يبق أحد إلا قام، وأخذ قلنسوته عن رأسه وجعلها تحت إبطه، فإذا جاوزهم ردوا قلانسهم فوق رؤوسهم، وكذلك كل من يدخل على الملك من صغير وكبير حتى أولاده وإخوته، ساعة يقع نظرهم عليه، يأخذون قلانسهم فيجعلونها تحت آباطهم ثم يومئون إليه برؤوسهم ويجلسون، ثم يقومون حتى يأمرهم بالجلوس؛ وكل من جلس بين يديه يجلس باركا ولا يلبس قلنسوته ولا يظهرها حتى يخرج من بين يديه فيلبسها عند ذلك.
والظاهر أن السمن كان محبوبا عند البلغار؛ وقد كان ملكهم بدينا. ورأى ابن فضلان عندهم تفاحا «أخضر شديدة الحموضة جدا تأكله الجواري فيسمن»، ومما أتعب ابن فضلان في مهمته الدينية أن الرجال والنساء كانوا ينزلون النهر فيغتسلون جميعا عراة لا يستتر بعضهم من بعض. وقد اجتهد في منع ذلك فلم يوفق، وكان مركز المرأة بينهم عاليا، وكانت الملكة تجلس إلى جانب الملك في المناسبات الرسمية.
وطبيعي أن هذا الرحالة عرض في رسالته لطول الليل شتاء وطول النهار صيفا، وتعذر تحديد ساعات الصلاة فكتب في هذا الصدد: «ودخلت أنا وخياط كان للملك من أهل بغداد قبتي لنتحدث؛ فتحدثنا بمقدار نصف ساعة ونحن ننتظر أذان العشاء؛ فإذا بالأذان، فخرجنا من القبة، وقد طلع الفجر. فقلت للمؤذن: أي شيء أذنت؟ قال: الفجر. قلت: فعشاء الأخيرة. قال: نصليها مع المغرب. قلت: فالليل؟ قال: كما ترى، وقد كان أقصر من هذا وقد آخذ الآن في الطول ... إلخ.» ونقل ابن فضلان عن ملك البلغار «أن وراء بلده بمسيرة ثلاثة أشهر قوما يقال لهم: ويسو ؛ الليل عندهم أقل من ساعة».
والغريب أن ابن فضلان لم يكتب في رسالته شيئا عن نتائج هذه الرحالة من الوجهتين السياسية والحربية؛ فلسنا ندري هل ساعد المسلمون البلغار في تشييد الحصون المطلوبة أم لا. وأكبر الظن أن ملك البلغار كان يريد بناء تلك الحصون ليحتمي فيها من ملك الخزر بوجه خاص. وكان ملوك الخزر من أصل يشبه البلغار، وكانت مملكتهم عند مصب نهر الفولجا ولكنهم كانوا من أتباع الديانة اليهودية وكانوا يعدون ملوك البلغار تبعا لهم. وعلى كل حال فإن رحلة ابن فضلان من أقدم ما وصل إلينا عن بلاد الروسيا. بل إننا لا نعرف عن رسالة سبقوه في هذه الجولة ما خلا أوتير
Ohther
النرويجي الذي زار الإقليم الواقع شمالي الروسيا حول البحر الأبيض الروسي، وذلك قبل رحلة ابن فضلان إلى بلاد البلغار بنحو ستين سنة.
وقد وصف ابن فضلان بعض قدماء الروس الذين شاهدهم في مكان على نهر الفولجا حين قدموا للتجارة مع البلغار. وكتب المستشرق الروسي فلاديمير مينورسكي
V. Minorsky
في هذا الصدد أن ابن فضلان كان دقيق الملاحظة فوصف حفلة دفن زعيم روسي وصفا مفصلا دقيقا حتى لقد استطاع أحد رسامي الروسي منذ خمسين عاما أن يرسم - اعتمادا على هذا الوصف - صورة لهذا المشهد الرهيب تزين الآن أحد جدران المتحف التاريخي في موسكو.
Bilinmeyen sayfa
وقد زار بلاد البلغار بعد ابن فضلان رحالة وعلماء مسلمون، ولكن معظمهم لم يدون عنها شيئا كثيرا. ومنهم عبد الله أبو حامد الأندلسي الغرناطي صاحب كتاب «تحفة الألباب ونخبة الأعجاب»، وقد زار بلاد البلغار سنة (530ه/1135م)، وصحب قاضيها يعقوب بن النعمان؛ وذكر أن هذا القاضي ألف كتابا في تاريخ البلغار، ولكنا لا نعرف عن هذا الكتاب شيئا. على أن أبا حامد الأندلسي نفسه لم يكتب عن رحلته إلا بعض قصص ضئيلة الشأن نشرها المستشرق دورن
B. Dorn .
2
أبو دلف
هو أبو دلف الخزرجي الينبوعي مسعر بن مهلهل. كان شاعرا وأديبا ورحالة؛ اتصل بالأمير الساماني بن أحمد. وأوفده هذا الأمير إلى الصين حول سنة (331ه/942م) مع بعثة كان أحد الأمراء الصينيين قد أرسلها إلى البلاط الساماني ليخطب ابنة أمير بخارى. وقد زار أبو دلف بلاد الهند، وآخر نقطة كانت تصل إليها السفن الإسلامية.
ولسنا نعرف عنه شيئا كثيرا ما عدا اتصاله بالصاحب إسماعيل بن عباد وزير بن بويه. وهو الذي قدم إليه أبو دلف قصيدة طويلة في حيل بني ساسان وأساليب حياتهم. والمعروف أن اسم «بني ساسان» أطلق على قوم من العيارين المستهترين والشطار المحتالين، كانوا يطوفون الأقاليم، ويتفننون في اختراع الحيل للحصول على المال (راجع مادة ساسان في دائرة المعارف الإسلامية وما ذكر فيها من مراجع).
وفي بعض أبيات هذه القصيدة الطويلة إشارة إلى الرحلات والأسفار الطويلة. ومن ذلك الأبيات الآتية منقولة من كتاب «يتيمة الدهر» للثعالبي:
ومن كان من الأحرا
ر يسلو سلوة الحر
ولا سيما في الغربة
Bilinmeyen sayfa
أودى أكثر العمر
وشاهدت أعاجيبا
وألوانا من الدهر
فطابت بالنوى نفسي
على الإمساك والفطر
على أني من القوم ال
بهاليل بني الغر
فنحن الناس كل النا
س في البر وفي البحر
أخذنا جزية الخلق
Bilinmeyen sayfa
من الصين إلى مصر
إلى طنجة، بل في ك
ل أرض خيلنا تسري
إذا ضاق بنا قطر
نزل عنه إلى قطر
لنا الدنيا بما فيها
من الإسلام والكفر
فنصطاف على الثلج
ونشتو بلد التمر
وقد حفظ لنا القزويني وياقوت وابن النديم مقتطفات يظن أنها من وصف أبي دلف لرحلته في الصين والهند.
Bilinmeyen sayfa
1
وهو وصف يشهد - على إيجازه - بأن هذا الأديب الرحالة كان دقيق الملاحظة. وحسبنا مثلا أنه فطن إلى أن الخزف الصيني كان يقلد في بعض البلاد الأخرى، ولا سيما في إيران وملبار، ولكن الأواني الصينية كانت تفضل في الأسواق على كل ما يصنع تقليدا لها. وقد انتشر هذا الوصف سنة (1845) ومعه ترجمة لاتينية بعناية المستشرق فون شلوزر
Kurd vonSchloezer ، ثم ترجمه المستشرق فراند
Ferrand
في مجموعة الرحلات والنصوص الجغرافية التي نشرها عن الشرق الأقصى، وخصه ماركارت
M. J. Marquart
بدراسة وافية في مجموعة المقالات التي كتبت ذكرى وتكريما للمستشرق ساخاو (Festschrift Sachau) . وفضلا عن ذلك فإن المستشرق وستنفلد
F. Wustenfeld
كان قد كتب في منتصف القرن الماضي مقالا في مجلة علم تقويم البلدان المقارن، درس فيه ما كتبه أبو دلف عن القبائل التركية.
2
Bilinmeyen sayfa
جغرافيو القرنين الثالث والرابع بعد الهجرة (9-10م)
بدأ المسلمون في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) يؤلفون في تقويم البلدان، ويصفون أجزاء إمبراطوريتهم وما يجاورها من الأقاليم وامتاز الجغرافيون في القرن الرابع الهجري بأن معظمهم كانوا رحالة، جمعوا كثيرا مما كتبوه بوساطة المشاهدة والاختبار والأسفار. •••
فاليعقوبي توفي في نهاية القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)، بعد أن قام برحلات طويلة في أمينية وإيران والهند ومصر وبلاد المغرب. وقد أفاد من هذه الرحلات فيما كتبه في التاريخ والجغرافيا. وذكر ذلك في مقدمة «كتاب البلدان». قال: «إني عنيت في عنفوان شبابي، وعند احتيال سني وحدة ذهني، بعلم أخبار البلدان والمسافة ما بين كل بلد وبلد؛ لأني سافرت حديث السن، واتصلت أسفاري ودام تغربي.» والواقع أن قارئ «كتاب البلدان» يشعر بأنه كتاب مثالي، لعمال الحكومة المعينين في مختلف أنحاء الدولة الواسعة الأرجاء، ولغيرهم من التجار والرحالة الذين يحرصون على أن يعرفوا شيئا عن البلاد التي يزمعون الرحيل إليها؛ كما يقف منه على أوصاف وأخبار تدل على أن اليعقوبي رأى بنفسه معظم ما عرض للكتابة فيه، مع أنه تحاشى ذكر ما لقيه في أسفاره من المشاهدات والتجارب. •••
أما الإصطخري فعاش في النصف الأول من القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي). واعتمد في تصنف مؤلفيه: «كتاب الأقاليم» و«المسالك والممالك» على رحلاته لطلب العلم والمعرفة في الآفاق الإسلامية، وعلى ما نقله من كتاب «صور الأقاليم» لأبي زيد البلخي. وقد وضح الإصطخري كتابه الأول بالخرائط. •••
وعاش المسعودي في النصف الأول من القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي). وقد نشأ في بغداد، ثم أقبل على السياحة لطلب العلم. وجمع الحقائق الجغرافية والتاريخية. فطاف في إيران، ثم رحل إلى الهند وجزيرة سرنديب، ثم رافق جماعة من التجار في رحلة إلى بحار الصين، وجال بعد ذلك في المحيط الهندي، وزار زنزبار وسواحل إفريقية الشرقية والسودان، ثم قام برحلات في إقليم بحر قزوين وآسيا الصغرى والشام والعراق وبلاد العرب الجنوبية ومصر. والظاهر أن أشق رحلاته كانت في المحيط الهندي شرقي إفريقية؛ فقد كتب: «وقد ركبت عدة من البحار كبحر الصين والروم والقلزم واليمن، وأصابني فيها من الأهوال ما لا أحصيه كثرة، فلم أشاهد أهول من بحر الزنج، وفيه السمك المعروف بالأوال، طول السمكة نحو من أربعمائة ذراع بالذراع العمرية، وهي ذراع ذلك البحر. والأغلب من هذا السمك طوله مائة ذراع. وربما بدا بهذا البحر فيظهر طرفا من جناحيه فيكون كالقلاع العظيم وهو الشراع. وربما يظهر رأسه وينفخ الصعداء بالماء فيذهب الماء في الجو أكثر من ممر السهم. والمراكب تفزع منه بالليل والنهار وتضرب له بالدبادب والخشب لينفر من ذلك ...»
وقد تحدث المسعودي عما لقيه من التجارب والمشاهدات خلال رحلاته في مؤلفات تاريخية ضخمة، ضاع أكثرها بسبب ضخامة حجمها وقلة انتشارها. أما أعظم ما وصل إلينا منها فكتاب «مروج الذهب ومعادن الجوهر» الذي اختصر فيه كتابين كبيرين له. وقد فرغ من تصنيفه سنة (336ه/947م). والكتاب يجمع بين التاريخ والجغرافيا والسياسة والعمران، بل يتضمن معظم ضروب العلم في عصره. ويمتاز على غيره من الكتب العربية بكثرة ما فيه من أخبار الأمم التي كانت تحيط بالعالم الإسلامي في العصور الوسطى، وبندرة بعض هذه الأخبار في كتب سائر المؤلفين. من ذلك عناية المسعودي ببيان الطرق البرية للسفر إلى بلاد الصين، على حين أن الطرق البحرية إلى تلك البلاد هي التي عني بها سائر من كتبوا في ذلك أيضا عنايته بالتعليل لبعض الظواهر الاجتماعية والاقتصادية، مثل قوله: إن العاج كان يجلب في كثرة من شرقي إفريقية إلى الصين، وإن إقبال الصينيين على استيراده هو الذي جعله نادرا وغالي الثمن في الأقطار الإسلامية. ولكن كتابة المسعودي لم تخل من العيوب المعهودة في تأليف معظم الجغرافيين والمؤرخين أيام العصور الوسطى، ومن تلك العيوب الاستطراد ، ونقل الخرافات والأخبار السطحية بدون تمحيصها بالنقد العلمي أو بالرجوع إلى المصادر الأولى، ذلك فضلا عن إغفال منهج معين في الدراسة.
وقد أشار المسعودي في مقدمة «مروج الذهب» إلى أسفاره الطويلة، فقال : «على أنا نعتذر من تقصير إن كان، ونتنصل من إغفال أو عرض لما قد شاب خواطرنا وغمر قلوبنا من تقاذف الأسفار وقطع القفار، وتارة على متن البحر وتارة على ظهر البر، مستعلمين بدائع الأمم بالمشاهدة عارفين خواص الأمم بالمعاينة، كقطعنا بلاد السند والزنج والصنف والصين والرانج، فتارة بأقصى خراسان وتارة بوسائط أرمينية وأذربيجان والهوات والطالقان، وطورا بالشام؛ فسيري في الآفاق سري الشمس في الإشراق كما قال بعضهم:
تيمم أقطار البلاد فتارة
لدى شرقها الأقصى وطورا إلى الغرب
سرى الشمس لا ينفك تقذفه النوى
Bilinmeyen sayfa
إلى أفق ناء يقصر بالركب
كذلك كتب في تلك المقدمة: «ولكل إقليم عجائب يقتصر على علمها أهله. وليس من لزم جهة وطنه، وقنع بما نمى إليه من الأخبار عن إقليمه، كمن قسم عمره على قطع الأقطار، ووزع أيامه بين تقاذف الأسفار، واستخراج كل دقيق من معدنه، وإثارة كل نفيس من مكمنه.»
والحق أن أوجه الشبه كثيرة بين المسعودي وهيرودوت. وحسبنا أن ابن خلكان وصف المسعودي بأنه كان إماما للمؤرخين، وأن هيرودوت انعقدت له مثل هذه الإمامة، حتى سمي أبا التاريخ. •••
ومن الجغرافيين في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) أبو القاسم محمد بن حوقل البغدادي. وقد ظل يتجول في البلاد الإسلامية نحو ثلاثين سنة. ولقي البغدادي. وقد ظل يتجول في البلاد الإسلامية نحو ثلاثين سنة. ولقي الإصطخري، فطلب منه هذا أن يراجع كتابه «المسالك والممالك» ففعل، ولكنه ما لبث أن أخرج كتابا بنفس الاسم، اعتمد فيه على ما كتبه إصطخري في كتابه. ولسنا نعرف شيئا كثيرا عن سيرة حياته عدا أنه غادر بغداد سنة (331ه/943م)، طلبا لدراسة البلاد والشعوب، ورغبة في الارتزاق من باب التجارة. فطاف في العالم الإسلامي من شرقيه إلى غربيه، ويبدو أنه شاهد كل ما كتب عنه وعاينه، ما خلا الصحراء الكبرى ، فإنه لم يشاهد إلا جزءا منها. وقد كتب في هذا المعنى: «وأعانني على تأليفه تواصل السفر وانزعاجي عن وطني إلى أن سلكت وجه الأرض بأجمعه في طولها، وقطعت وتر الشمس على ظهرها.» وقد وصف ابن حوقل بلرم عاصمة صقلية وصفا عظيم الشأن جليل القيمة؛ لأنه ليس أقدم وصف إسلامي لهذه المدينة فحسب؛ بل لأنه يشير إلى أسلوب ساذج اتبعه المسلمون حينئذ في تقدير سكان المدن، ومبلغ عمارها في تلك العصور التي لم تعرف فيها الإحصائيات الرسمية. ومما كتبه في وصفها:
وببلرم طائفة من القصابين والجرارين والأساكفة. وبها للقصابين دون المائتي حانوت لبيع اللحم. والقليل منهم في المدينة برأس السماط. ويجاوزهم القطانون والحلاجون والحذاؤون وبها غير سوق صالح. ويدل على قدرهم وعددهم صفة مسجد جامعهم ببلرم. وذلك أني حزرت المجتمع فيه إذا غص بأهله بلغ سبعة آلاف رجل ونيفا؛ لأنه لا يقوم فيه أكثر من ستة وثلاثين صفا للصلاة، وكل صف منها يزيد على مائتي رجل.
وقد عجب ابن حوقل لكثرة المساجد في صقلية. وسأل عن ذلك، فأخبر «أن القوم لشدة انتفاخ رؤوسهم كان يحب كل واحد منهم أن يكون له مسجد مقصور عليه لا يشاركه فيه غير أهله وغاشيته». وكذلك لاحظ كثرة المعلمين فيها وأن جنونهم المعلمين في كل بلد «وإنما توافرت عدتهم مع قلة منفعتهم لفرارهم من الغزو ورغبتهم عن الجهاد»؛ وذلك لأن المعلمين في صقلية كانوا يعفون من الجهات والقتال. والحق أن ابن حوقل كان قاسيا على أهل صقلية وعلى طائفة المعلمين بوجه خاص. فهو يزعم - سامحه الله - «أن المعلم أحمق محكوم عليه بالنقص والجهل والخفة وقلة العقل». ونراه ينتقص أهل صقلية لاحترامهم المعلمين، فيقول: «ومن أعظم الرزية وأشد البلية أن جميع أهل صقلية، لصغر أحلامهم، ونقص درايتهم، وبعد أفهامهم، يعتقدون أن هذه الطائفة أعيانهم ولبابهم وفقهاؤهم ومحصلوهم وأرباب فتاويهم.»
واتصل ابن حوقل بالفاطميين وقد ذهب المستشرق الهولندي دووزي
Dozy
إلى أن هذا الرحالة كان يتجسس، ويعمل لحساب الفاطميين في الأندلس؛ فإنهم كانوا في البداءة يتطلعون إلى الاستيلاء على تلك البلاد، ولعلهم كانوا سيسعون إلى جمع المعلومات عنها. وقد أشار دوزي إلى ما كتبه ابن حوقل في هذا الصدد: «ومن أعجب أحوال هذه الجزيرة بقاؤها على من هي في يده، مع صغر أحلام أهلها، وضعة نفوسهم، ونقص عقولهم وبعدهم من البأس والشجاعة والفروسية والبسالة، ولقاء الرجال ومراس نعمها ولذاتها ... وليس لجيوشهم حلاوة في العين؛ لسقوطهم عن أسباب الفروسية وقوانينها. وإن شجعت أنفسهم ومرنوا بالقتال، فإن أكثر حروبهم فتصرف على الكيد والحيلة. وما رأيت ولا رأى غيري بها إنسانا قط جرى على فرس فاره أو برذون هجين ورجلاه في الركابين.»
ويذكرنا هذا بما كان للرحالة الفرسي قولني
Bilinmeyen sayfa