وَأما الْجَواب الثَّالِث وَهُوَ مَا الدَّلِيل على إبِْطَال الِاحْتِجَاج بِالْقدرِ وذمه مَعَ أَن آدم احْتج بِهِ
فَنَقُول أما دَعْوَى أَن آدم ﵇ احْتج على فعل الْمعاصِي بِالْقدرِ فَهُوَ قَول بَاطِل وافتراء لما تقدم والاحتجاج بِالْقدرِ على فعل الذُّنُوب والمعاصي بَاطِل بِاتِّفَاق أهل الْملَل وَذَوي الْعُقُول وَهُوَ مِمَّا يعلم بُطْلَانه بضرورة الْعقل
فَإِن الظَّالِم لغيره لَو احْتج بِالْقدرِ لاحتج ظالمه أَيْضا بِالْقدرِ فَإِن كَانَ الْقدر حجَّة لهَذَا فَهُوَ حجَّة لهَذَا
قَالَ ابْن تَيْمِية فِي رده على الرافضة والإباحية أَن الِاحْتِجَاج بِالْقدرِ حجَّة بَاطِلَة داحضة بِاتِّفَاق كل ذِي عقل وَدين من جَمِيع العاملين والمحتج بِهِ لَا يقبل من غَيره مثل هَذِه الْحجَّة إِذا احْتج بهَا فِي ظلم ظلمه إِيَّاه أَو ترك مَا عَلَيْهِ من حُقُوقه بل يطْلب مِنْهُ مَاله عَلَيْهِ ويعاقبه على ذَلِك لِأَن الْقُلُوب تعلم بِالضَّرُورَةِ أَن هَذِه شُبْهَة بَاطِلَة وَلِهَذَا لَا يقبلهَا أحد من أحد عِنْد التَّحْقِيق وَإِنَّمَا يحْتَج بِالْقدرِ على القبائح والمظالم من هُوَ متناقض فِي قَوْله مُتبع لهواه كَمَا قَالَ بعض الْعلمَاء أَنْت عِنْد الطَّاعَة قدري وَعند الْمعْصِيَة جبري أَي مَذْهَب وَافق هَوَاك تمذهبت بِهِ وَلَو كَانَ الْقدر حجَّة لفاعل الْفَوَاحِش والمظالم لم يحسن أَن يلوم أحد أحدآ وَلَا يُعَاقب أحد أحدآ وَكَانَ للْإنْسَان أَن يفعل فِي دم غَيره وَمَاله وَأَهله مَا يشتهيه من الْمَظَالِم والقبائح ويحتج بِأَن ذَلِك مُقَدّر عَليّ ثمَّ أصل الِاحْتِجَاج بِالْقدرِ إِنَّمَا هُوَ قَول الْمُشْركين الَّذين أتبعوا أهواءهم بِغَيْر علم وَلِهَذَا لما قَالَ الْمُشْركُونَ كَمَا حكى الله عَنْهُم وَقَالَ الَّذين أشركوا لَو شَاءَ الله مَا أشركنا نَحن وَلَا
آبَاؤُنَا وَلَا حرمنا من شَيْء قَالَ الله تَعَالَى قل هَل عنْدكُمْ من علم فتخرجوه لنا إِن تتبعون إِلَّا الظَّن وَإِن أَنْتُم إِلَّا تحرصون فَإِن هَؤُلَاءِ الْمُشْركين يعلمُونَ بفطرتهم وعقولهم أَن هَذِه الْحجَّة داحضة بَاطِلَة فَإِن أحدهم لَو ظلم الآخر فِي مَاله أَو فجر بأمرأته أَو قتل وَلَده
1 / 32