84

فقال الملك الغاضب: وسأضربهم جميعا، فليحتجوا كيف شاء لهم الجهل.

على أن الحوادث جاوزت هذا الحد؛ فقد أرسل حاكم طيبة إلى رئيس الوزراء يقول إن خنوم حتب زار مقاطعته، وإنه استقبل استقبالا شعبيا رائعا اشترك فيه كهنة آمون وكاهناته وجموع غفيرة من الأهالي، وإن الهتافات تصاعدت باسمه، وهتف القوم أيضا لحقوق الآلهة التي ينبغي أن تصان وتخدم، وجاوز هذا القدر قوم، فصاحوا باكين: «وا حسرتاه! إن أموال آمون تنفق على راقصة.»

ووجم الرئيس أسفا وحزنا، وغلب إخلاصه تردده هذه المرة أيضا، فأحاط مولاه بهذه الأخبار بلباقة، وغضب الملك كعادته وقال آسفا: إن حاكم طيبة يسمع ويرى ولا يستطيع شيئا.

فقال سوفخاتب بحزن: ليس لديه يا مولاي إلا قوة الشرطة، وهي لا تجدي في مقاومة جموع غفيرة.

فقال الملك بغضب: وليس لدي إلا الانتظار على مضض، لقد أدميت وحق الرب كبريائي!

وخيمت سحابة من الحزن على آبو المجيدة، شملت قصورها الشامخة ودور الحكم فيها. وكانت الملكة نيتوقريس تقبع في جناحها رهينة حبس ووحشة، تعاني آلام قلبها المنفطر وكبريائها الجريح، وترقب الحادثات بعينين حزينتين أسيفتين. وكان سوفخاتب يتلقى الأخبار بقلب حزين، ويقول آسفا لطاهو الصامت الكئيب: «هل شهدت مصر قبل اليوم مثل هذا الغضب المتمرد؟! وا حزناه!»

واستحالت سعادة الملك غضبا وغيظا، وكان لا يذوق الراحة إلا حين يرتمي بين يدي المرأة التي أسلمها نفسه، وكانت تدرك ما به، فكانت تداعبه وتحنو عليه وتهمس في أذنه: «صبرا.» فيتنهد ويقول حانقا: «نعم .. حتى أقبض على ناصية القوة.»

ولكن اشتد الحرج، فتعددت زيارات خنوم حتب للمقاطعات، واستقبل بالمظاهرات في كل مكان، وتعالى الهتاف باسمه في البلدان. وضاق بذلك كثير من الحكام، ورأوا فيه معنى لم يرتح إليه إخلاصهم لفرعون. فاجتمع حكام أمبوس، وفرمونتس، ولاتولس، وطيبة، وتشاورا فيما بينهم، وقر رأيهم على مقابلة الملك. وقصدوا إلى آبو وطلبوا المقابلة، فاستقبلهم فرعون استقبالا رسميا حضره سوفخاتب، وتقدم حاكم طيبة بين يديه وحياه تحية العبودية والإخلاص ثم قال: مولاي، الإخلاص الحق لا ينفع بأن يكون عاطفة في القلب، ولا بد أن يقرن بإسداء النصح والعمل الصالح والافتداء إذا حزب الأمر، ونحن حيال أمر قد يعرضنا الصدق فيه إلى موجدة، ولكنا لا نأمن مع السكوت عليه من وخز ضمائرنا، فلا بد من قولة الحق.

فصمت فرعون هنيهة ثم قال للحاكم: تكلم أيها الحاكم فإني مصغ إليك.

فقال الرجل بشجاعة: مولاي، الكهنة غاضبون، وقد انتقلت عدوى غضبهم إلى نفوس الشعب المنصت إلى حديثهم في الصباح والمساء، وكان من جراء ذلك أن اتفقت كلمة الجميع على وجوب رد الأراضي إلى أصحابها.

Bilinmeyen sayfa