فقال هنفر المثال: من المحزن حقا أن يضيع شيء تمتع بلمسك أياما وأسابيع، وما مصيره في النهاية إلا السقوط، وقد يسقط في حقل ناء فتطؤه قدم ريفية بسيطة!
فقالت رادوبيس بحزن: مهما يكن مصيره، فلن يعود إلي!
وكان الفيلسوف هوف يعجب لحزن رادوبيس على صندل تافه، فقال يعزيها: على أية حال إن خطف النسر لصندلك فأل حسن، فلا تحزني.
فسأله أحد الأعيان المبرزين: وماذا ينقص رادوبيس من السعادة، وجميع هذه الوجوه من عشاقها؟
فرد عليه الفيلسوف قائلا: وهو يحدجه بنظرة ساخرة: ينقصها أن تتخلص من بعضهم!
ودخلت جماعة أخرى من الجواري يحملن أباريق الخمر وكئوس الشراب الذهبية، ودرن بها على الحاضرين كلما لاح العطش على واحد منهم روينه بكأس مترعة، تطفي الظمأ في الفم، وتوقد النار في القلوب. وقامت رادوبيس على مهل، وسارت إلى الصندوق العاجي، ورفعت الكأس العجيبة، ومدت بها يديها إلى الساقية وهي تقول: لنشرب نخب السيد عانن لهديته الجميلة، وعودته السالمة.
فشربوا جميعا هنيئا، وشرب عانن كأسه حتى الثمالة، وأرسل إلى الغانية نظرة امتنان وشكران، ثم التفت إلى صاحب له وقال: أليس من كبريات النعم أن يجري ذكر اسمي على لسان رادوبيس؟
فأمن الرجل على قوله، وتنبه عند ذاك الحاكم آني إلى وجود السيد عانن، وكان يعرفه، ويعلم بأنه كان في رحلة في الجنوب، فقال له: عود سعيد يا عانن، كيف كانت سفرتك هذه المرة؟
فأحنى الرجل رأسه احتراما، وقال: حفظتك الآلهة من كل سوء أيها الحاكم الجليل، لم أتوغل هذه المرة فيما وراء إقليم الواوايو، وكانت رحلة موفقة موفورة الخيرات مأمونة العواقب. - وكيف حال صاحب السمو كارفنرو حاكم الجنوب؟ - الحق أن سموه يلقى متاعب جمة بسبب تمرد قبائل المعصايو؛ فهم يضمرون الكراهية للمصريين، ويتربصون لهم، فإذا وقعوا على قافلة هاجموها بلا رحمة، وقتلوا رجالها، ونهبوا تجارتها، ولاذوا بالفرار قبل أن تبلغهم القوات المصرية.
فبدا الاستياء على وجه الحاكم، وسأل التاجر باهتمام: ولماذا لا يسير سموه إليهم بقوة تأديبية؟ - إن سموه لا ينفك يرسل قواته في أعقابهم، ولكنهم لا يواجهون القوات الحربية، ويفرون في الصحاري والغابات، فتضطر القوات إلى العودة بعد نفاد المؤن. ويستأنف العصاة غاراتهم على طرق القوافل.
Bilinmeyen sayfa