وقطع عليهم سكونهم أحد الحجاب، وكان متسرعا مضطربا، فانحنى للملك، وقال: ضابط من الشرطة يستأذن يا مولاي في المثول بين يديك.
فأذن له الملك، وحدج رجليه بنظرة يفحص بها أثر قول الحاجب في نفسيهما، فوجدهما قلقين مضطربين، فعلت فمه ابتسامة ساخرة، وهز كتفيه العريضتين استهانة. ودخل الضابط وكان يلهث من الجهد والاضطراب، وكانت ثيابه معفرة وقلنسوته مضعضعة تنذر بالشر، فأدى التحية، وقال قبل أن يؤذن له في الكلام: مولاي! إن الشعب مشتبك مع رجال الشرطة في قتال عنيف، وقد قتل من الجانبين رجال كثيرون، ولكن سيقتحمنا القوم إذا لم تصلنا نجدات قوية من الحرس الفرعوني.
وارتاع سوفخاتب وطاهو ارتياعا، ونظرا إلى فرعون فوجداه مرتعش الشفتين من الغضب، وقد صاح بصوت أجش: وحق الأرباب جميعا ما أتى هذا الشعب للاحتفال بالعيد.
فاستدرك الضابط قائلا: وقد آذنتنا العيون يا مولاي أن الكهنة يخطبون الناس في أطراف المدينة زاعمين لهم أن فرعون يتذرع بوجود حرب وهمية في الجنوب ليحشد جيشا يذل به الشعب، والناس تصدقهم ويشتد بهم الغضب، ولولا وقوف الشرطة في وجههم لاقتحموا السبل إلى القصر المقدس.
فصاح فرعون كالرعد: قطع الشك باليقين، وافتضحت الخيانة اللئيمة، وها هم أولاء يعلنون العداوة ويبدءوننا بالهجوم!
ووقع الكلام من الآذان موقعا غريبا لا يصدق، وبدا على الوجوه كأنما تتساءل في دهشة وإنكار: أحقا أن هذا فرعون؟ وهذا شعب مصر؟ .. ولم يطق طاهو صبرا. فقال لمولاه: مولاي! هذا يوم كئيب كأنما دسه الشيطان خفية في دورة الزمان وكانت بدايته سفك دماء، والرب أعلم كيف يكون منتهاه، فمرني أن أقوم بواجبي.
فسأله فرعون: وماذا أنت فاعل يا طاهو؟ - سأوزع الجنود على أماكن الدفاع الحصينة، وأقود فرقة العجلات لملاقاة الثائرين، قبل أن يتغلبوا على الشرطة ويقتحموا الميدان إلى القصر.
فابتسم فرعون ابتسامة غامضة وصمت مليا، ثم قال بصوت رهيب: سأقودها بنفسي.
فانخلع قلب سوفخاتب في صدره، وصاح بالرغم منه: مولاي!
فضرب الملك صدره بيديه بعنف، وقال: ما زال هذا القصر حصنا ومعبدا منذ آلاف السنين، ولن يصير على عهدي هدفا رخيصا لكل متمرد.
Bilinmeyen sayfa