I
يتضمن الرد على اليهود بحسب ما قدر هو ونفسه من اعتقادات ألحقها بهم، وهي غير معتقدهم، وأخبار ابتكرها وأوهام وهمها في فهم نصوص التوراة. واتسع في القول إلى تشنيعات عظيمة، وألحق النقائص بقدماء بني إسرائيل، الذين فضلوا على العالمين. وبحسب هذا فكان الأليق الإعراض عنه والإنحاء عن مجاوبته لأن الآراء التي بناها ورد عليها غير معتقده. فلما صار جماعة من المس[لمين] يعتنوا بمطالعة هذا كتابه، ويتوهموا صحة مقالته ويحسنوا الظن بدعاويه، وجب علينا وتعين محاققة هذا الكتاب، لا لإقامة حجة المذهب وال[دين]، إلا للبراءة مما نسبه إلينا من الاعتقادات، والإبانة عن أنفسنا بأننا غير متمذهبين بما ادعاه فينا، وكشف ما شنع به على التوراة، وتبيين ما لم يفهم المقصود به ومواضع يتناقض كلامه من هذا التأليف. مبدأ كلامه زعم أنه ألزمنا بلنس[خ]
على رأينا ومقتضى مذهبنا وقال: لأن عقولنا لا تجوز النسخ على الشرائع، وهذا دعوى باطل وكلام من لم يعرف اعتقادنا ولا نظر فى كتب متقدمينا، المتكلمين في الأصول، مثل رأس المثيبة بن حفني الهاروني وابنالخشيش ورأس المثيبة هائى الداودي وغيرهم من المتكلمين، لأننا، معشر بني إسرائيل الربانيون والأحبار، لا نمنع جواز نسخ الشرائع عقلا، إذا كان في وقتين متغايرين. وأنا أذكر لك شيء من الحجج على جوازه. ألا ترى أنه لا يمتنع أن يكون في الأمر وفي النهي في وقت معين مصلحة للمأمور والمنهي، ويكون معها اختلاف الأحكام على الوجوه التي وقع عليها الفعل في باب الصلاح والفساد، وفي الحسن والقبح؟ ألا ترى أن جلوس الإنسان في موضع مخصوص قد يكون حسنا في وقت مخصوص، إذا كان لا ضرر عليه فيه، و[كا]ن [ج]لوسه في ذلك الموضع في وقت آخر قبيح، إذا كان [عليه] في ذلك ضرر لا يؤدي إلى نفع الجلوس مثل[ه]
II
علىقول غير صحيح ونقل غيرنا، لما يخصه تواتره، فمأخوذ عن أفراد ونسوة. والمعنى الثاني الذي غاب عنه، هو أن الشاهد بصحة كتاب ما وبأن ذلك الكتاب ناطق بصحة خبر ما، فهو شاهد بصحة الخبر ضرورة، ولا يسعه أن يقول: إنني شاهد بالكتاب دون ذلك الخبر. ثم إنه، لما لاح له نقصان هذا القول، قال: «فإن قالوا: إن نبينا شهد له جميع الأ[مم، فال]تواتر به أقوى، فكيف تقولون أنه أضعف؟» قال: «قلنا: <أ>وكان إجماع شهادات الأمم صحيح لديكم؟ فإن قالوا: نعم، قلنا: فإن الأمم الذي قبلتم شهادتهم مجمعين على تكفيركم وتضليلكم، فيلزمكم ذلك لأن شهادتهم عندكم مقبولة.» وهذا غلطا عظيما منه. وذاك أن الغرض يحصل من شهادة الشاهد بإخباره عما شاهده أو سمعه، ولا يسأل عن اعتقاده الحكم في القضية التي شهد فيها، لأن ذلك يرجع إلى صحة فهمه وسقمه، أو إلى جوره
وعدله لا إلى نقله، فوجب حينئذ استماع كلامه في ما نقله، لا إلى اعتقاده، كما يفعل الحاكم في استماع كلام الشهود وقبوله والحكم بحكمه من غير بحث في اعتقادهم في واجب الشرع في تلك المسألة، إذ لا تأثير له، هذا مع كون نقلنا عن أسلافنا متعين علينا قبوله لاتصاله بالكثرة، وإن كنا أقل الملتين عدد، إن شهدها بصحته أو لم يشهدها. ثم زعم بأننا نحكي عمن قالت النصارى بأن المسيح داوى المرضى في السبت، وأن اليهود أنكرت عليه، وأنه عارضهم بجواز تخليص الشاة إذا وقعت في البئر بتبديل السبت. وهذا خبر هو ينقض نفسه، لأن مذهبنا مشهور معلوم أننا نوجب مداواة المرضى، فضلا عن أن نعيره، وأحرى أن لا نمنعه في مقام الأخطار والآلام، بل ولا يجوز مذهبنا ابتدال السبت لتخليص حيوان غير ناطق، هذا مع كوننا لم نحك هذا عنه منا قط. وأما قوله بأننا نحكي عنه بأنه كان مع جماعته في جبل، ولم يحضرهم طعام، فأذن لهم بتناول الحشيش في يوم السبت، وأن اليهود أنكرت عليه، وأنه عارضهم
بتجويز مذهبهم قطع الحشيش للدواب في مقام يخشا فيه القتل، فهي حكاية ملفقة أيضا. لعمري إنه قد حكي عنه في جملة ما انكشف عنه: أنه فرك السنبل في يوم السبت، لا في مقام عدم الزاد وتعين الموت، مع دعواه أنه من مشيدي هذه الشريعة والآمرين بها. ثم إن تجويزنا قطع الحشيش للدواب لمن هو من غير ملتنا ليس مطلق، كما توهم، بل مقيد بموضع تهدده بالقتل، مع تمكنه منه كما ذكرنا. وأما نسخ التوراة فلم يدعه أبدا لا في مبدأ أمره ولا في نهايته، ولا نقلته عنه أصحابه مع اختلاف طوائفهم، بل جميعهم قائلين بتأبيدها وأنها لازمة ويزعموا العمل بها أيضا، لأنه، لو قال هذا، لناقض دعواه بأنه المسيح الذى أشارت إليه الأنبياء المتقدمين، ونطقت بأنه يحكم بشريعة موسى عليه السلام، وذكرت فيه شرائط ما نحن بصدد ذكرها
في هذه المقالة. وهذا مبطل لقول هذا الرجل، بأنه كان يقول بنسخ التوراة، وكان يلاطف اليه[ود] وعقولهم، الذي لا ينطبع فيها النسخ. ثم استدل من قول الله تعالى في التوراة، في حق بني اسرائيل: נביא אקים להם מקרב אחיהם כמוך وتمامه، على أن لا بد أن يقوم من بني إسمعيل نبيا يأمر بني إسرائيل بشريعة غير هذه. وزلله في هذا الدليل ظاهر، لأنك، إذا تأملت هذا القول، ترى أن لا رائحة دليل فيه، بل ربما دل على عكس ما قصده. وذاك أن هذهالسورة من مبدأها تنهى عن سلوك طرق أهل بلد כנעאן الذي يطالبوا علم الغيب من طرق الكهانة وأحكام النجوم والأعمال السحرية والقول بالفأل والزجر ورقيا الجن واستنزال الروحانيات ومخاطبة الأموات، وتنطق بأن الله يكره فاعل هذه الأمور وأنه من أبواب عبادة الأوثان.قال: ولأجل هذه الكراهية
تواعدهم الله بالاستئصال على أيديكم، لأن الأمم الذي أنت مأمور باستئصالهم ي[أخ]ذوا علم الغيب من هذه الطريق، وأنتم فليس كذاك أعطاكم الله ربكم، بل نبيا ي[أ]تيكم من إخوتكم مثلي يقيم لكم الله ربكم منه تكر[يما]،لأن الله وعدكم في يوم موقف طور סיני بذلك. وهذا قول عليه السلام لكل نبي يق[وم] من بني إسرائيل تستعلم منه الغيوب. والغرض بقوله: من وسط إخوتكم، أي لا يحتاجوا إلى قول أمة أخرى أو شرع آخر في استعلام الغيوب وحل المشكلات. ويستحيل مع هذا المقصد تحميل قوله: إخوتكم، أنه أشار إلى بني إسمعيل. وتطويله بالاستدلال من تسمية بني العيص إخوة، ثم لا يختص القول بإسمعيل كما زعم. وقد تضمنت كتب النبواتكون الانبياء كانوا يقصدوا من سائر الأماكن لاستعلام الغيوب منهم ولتدبير الأمة وتقنين تصرفاتهم، لا للتشريع كما ظن وقو[له في] تلك [...]بيا [...] من جهة الله
لا ينبئ من جهة الكهانة، وليس النص كما زعم [ب]ه فليؤمنوا الا منه يستمعوا، وهذا تحريف شنيع. وأما ما استدل به على موضع اسمه من التوراة، وهو وعد الله لإبرهيم عليه السلام بأنه سينمي إسمعيل ويكثره جدا جدا، التي لفظها العبراني בִּמְאד מְאד، وأخذه هتين اللفظتين بحساب الجمل وبلوغ عددها إلى اثنين وتسعين بعدد اسم القائم من بني إسمعيل، فهي طريقة لم يسلكها نبي من الأنبياء في لفظه ولا حكيم من الحكماء، ولا سمعت في ملة من الملل، ولو دام من يسلك هذه الطريقة في تفسير الكلام بإضافة حروفه بعضهاإلى بعض وتكميل جملها، فلقد كان كثير من كلام الله دل على أسماء أشخاص بني آدم وأشخاص حيوانات وأسماء آلات وبلاد وعقاقير وغير ذلك مما يحتمل من هذا الباب من الاتساع. وهذا يؤدي إلى دعاوى عظيمة وقدح عظيم في [سائر] الشرائع
Bilinmeyen sayfa