يجيب عن السؤال ويدفع هذا الإشكال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ حيث قال: إن المقالة تكون كفرًا: كجحد وجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج وتحليل الزنا والخمر والميسر ونكاح ذوات المحارم، ثم القائل بها قد يكون بحيث لم يبلغه الخطاب، وكذا لا يكفر به جاحده، كمن هو حديث عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة لم تبلغه شرائع الإسلام، فهذا لا يكفر بجحد شيء مما أنزل على الرسول، إذا لم يعلم أنه أنزل على الرسول. ومقالات الجهمية هي من هذا النوع، فإنها جحد لما هو الرب تعالى عليه ولما أنزل الله على رسوله١.
وقال أيضًا ﵀: وسبب هذا التنازع -يعني تنازع أهل السنة في تكفير الجهمية بأعيانهم- تعارض الأدلة، فإنهم يرون أدلة توجب إلحاق أحكام الكفر بهم، ثم إنهم يرون من الأعيان الذين قالوا تلك المقالات من قام به من الإيمان ما يمتنع أن يكون كافرًا، فيتعارض عندهم الدليلان. وحقيقة الأمر أنهم أصابهم في ألفاظ العموم في كلام الأئمة ما أصاب الأولين في ألفاظ العموم في نصوص الشارع. كلما رأوهم قالوا: من قال كذا فهو كافر. اعتقد المستمع أن هذا اللفظ شامل لكل من قاله، ولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وأن التكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، ويبين هذا أن الإمام أحمد وعامة
_________
١ مجموع فتاوى شيخ الإسلام "٣/ ٣٥٤".
1 / 13