(شيخَ الإسلام) إلا لثلاثة هم: ابن تيمية والسبكي وشمس الدين ابن أبي عمر (^١).
ولم يَقتصر الحال على أنْ يكونا من أفذاذ العلماء فحسب، بل قد وُصِفَ كلُّ واحدٍ منهما بأنه قد استحقَّ رتبة الاجتهاد (^٢)، إلا أنَّ ابن تيمية كان أعلى كعبًا وأدقَّ نظرًا في العلم بشهادة معاصريهما وغيرهم (^٣)،
كما أنه أكثر استعمالًا
_________
(^١) ذكر ذلك التاج السبكي في طبقات الشافعية الكبرى (١٠/ ١٩٥).
وقد قال شيخ الإسلام البُلقيني الشافعي في تقريظه للردِّ الوافر (ص ٢٧٦): (ولقد افتخر قاضي القضاة تاج الدين السبكي ــ رحمه الله تعالى ــ في ترجمة أبيه تقي الدين السبكي في ثناء الأئمة عليه، بأنَّ الحافظ المزي لم يكتب بخطِّه لفظ (شيخ الإسلام) إلا لأبيه، وللشيخ تقي الدين ابن تيمية، وللشيخ شمس الدين ابن أبي عمر. فلولا أنَّ ابن تيمية في غاية العلو في العلم والعمل ما قَرَنَ ابن السبكي أباه معه في هذه المنقبة التي نقلها!).
(^٢) فابن تيمية قد ذكر غير واحدٍ ــ كما في الجامع لسيرة شيخ الإسلام (ص ٧٥٨) ــ بأنَّه قد اجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها، وبالنسبة لتقي الدين السبكي فقد أشار إلى ذلك ابنه في ترجمته من طبقات الشافعية الكبرى (١٠/ ١٤٠)، وفي (١٠/ ٢٢٦) ذكر جملةً من المسائل التي اختارها، ووصفه الصفدي في الوافي بالوفيات (٢١/ ٢٥٣) بأنه أوحد المجتهدين، وذكر ابن النقيب ــ كما نقله السيوطي في تقرير الاستناد في تفسير الاجتهاد (ص ٥٥) ــ أنه جلس بمكة بين طائفة من العلماء فشرعوا يقولون: لو قَدَّرَ الله تعالى بعد الأئمة الأربعة في هذا الزمان مجتهدًا عارفًا منهاجهم أجمعين يُرَكِّبُ لنفسه مذهبًا من الأربعة بعد اعتبار هذه المذاهب المختلفة كلها، لازدان الزمان به، وانقاد الناس؛ فاتفق رأينا على أنَّ هذه الرتبة لا تعدوا الشيخ تقي الدين السبكي ولا ينتهي لها سواه.
(^٣) فقد قال المزي كما في مختصر طبقات علماء الحديث (ص ٢٥١ من الجامع): (ما رأيتُ مثله، ولا رأى هو مثلَ نفسه). ونقل ابن رجب في ذيل طبقات الحنابلة (ص ٤٦٨ من الجامع) عن الذهبي قولَهُ: (فلا يَبلغ أحدٌ في العصر رتبته ولا يُقاربه). وقال الذهبي في ذيل تاريخ الإسلام (ص ٢٦٩): (وإلا فلو لاطف الخصوم، ورفق بهم، ولزم المجاملة وحسن المكالمة؛ لكان كلمة إجماع). وقال ابن سيِّد الناس اليَعْمَري (ص ١٨٨ من الجامع): (بَرَّزَ في كلِّ فنٍّ على أبناء جنسه، ولم تَرَ عينُ مَنْ رآه مثله، ولا رأت عينُهُ مثلَ نفسِهِ) .. وقال الشيخ السيد أحمد بن الصديق الغماري ــ كما في در الغمام الرقيق (ص ٢٢٧) ــ: (إنَّ بين السبكي وابن تيمية بونًا كبيرًا في العلم وقوة الاستدلال، وأنَّ الثاني ــ وهو ابن تيمية ــ أعلم بمراحل). والثناء على الشيخ وعلى تقدُّمه في العلم على معاصريه كثير جدًا تجد طرفًا منه في الجامع لسيرة شيخ الإسلام (ص ٧٦٦ - ٧٧٠)، ويكفي في هذا الباب كتاب (الرد الوافر) لابن ناصر الدين، وكتاب (الشهادة الزكية في ثناء الأئمة على ابن تيمية) لمرعي الكرمي.
المقدمة / 15