وبإسناده عن الطناجيرى إلى ابن صالح الأسدى قال سمعت شريكا يقول لأن يكون في كل حي من الاحياء خمار خيرا من أن يكون فيه رجل من أصحاب أبى حنيفة. وبإسناده أيضا عن علي بن محمد بن عبد الله المعدل إلى منصور بن أبى مزاحم. قال سمعت شريكا يقول: لو أن في كل ربع من أرباع الكوفة خمارا يبيع الخمر لكان خيرا من أن يكون فيه من يقول بقول أبى حنيفة. أنا لا أشك أن شريكا إن صح عنه هذا القول كان يختار أن يكون الخمارون في الكوفة ولا يكون فيها مذهب أبى حنيفة وذلك لأن الكوفة حينئذ لم تخل من النصارى واليهود والمجوس ولم يذكرهم ولا أنف منهم، وأظن أنه كان يحب الخمر ويختارها على ما سواها، فأراد أن تكون في رباع الكوفة ليسهل مطلبها ولا يكون فيها مثل أبى حنيفة يبين خطأه ويفقه الناس، وهذا معروف عند الناس أنه من استقضى في بلدة وكان فيها من هو أفقه منه لا يريد مجاورته لأنه كلما أخطأ بين خطأه للناس.
وبإسناده عن ابن الفضل إلى حماد بن زيد يقول. سمعت أيوب- وذكر أبا حنيفة- فقال: يريدون أن يطفؤا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره
هذا يدل على قلة فهم الخطيب لأن إتمام نور الله إنما هو بقاء العلم وقد رأينا مذاهب جماعة من أهل الرأى قد ذهبت واضمحلت ومذهب أبى حنيفة باق وكلما قدم يزيد، والناس الآن مطبقون على أن أصحاب السنة والجماعة هو أهل المذاهب الأربعة مثل أبى حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل.
والخطيب لم يكن قريبا من عصر أبى حنيفة ولا معاصرا له بل كان بينهما ثلاثمائة وعشر سنين وقد رأى أن مذهب أيوب تلاشى ومذهب أبى حنيفة باق ومع هذا لم يرجع عنه، بل هو كما
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «حبك الشيء يعمى ويصم»
فمن لم يفهم إلى أن وضع المدح موضع الذم ما كان ينبغي أن يتحدث في مثل هذا. ونحن نقول إن أيوب ما أراد بتلاوة هذه الآية عند ذكر الإمام أبى حنيفة إلا مدح أبى حنيفة والدليل عليه أن كل من تحدث في مذهب أبى حنيفة درس مذهبه حتى لا يعرف، ومذهب أبى حنيفة باق قد ملأ الأرض وأكثر الناس عليه.
وبإسناده عن الحيرى إلى سلام بن أبي مطيع قال كان أيوب قاعدا في المسجد الحرام فرآه أبو حنيفة فأقبل نحوه فلما رآه أيوب قد أقبل نحوه قال لأصحابه: قوموا لا يعرنا بجربه. قوموا فقاموا فتفرقوا. وأى شيء في هذا مما ينقص به أبو حنيفة، فكونهم قاموا وتفرقوا لا يدل على معيبة في كلام أبى حنيفة ولا في رأيه. ولقائل أن يقول ربما أراد بقيامه أن لا يناظره فيقطعه قدام تلامذته، ثم إنه لم يبين الجرب الذي يعرهم به أى شيء هو؟ حتى يجاب عنه. ثم أيضا إن الله تعالى بين إتمام نوره بأن مذهب أيوب قد اضمحل وبقي مذهب أبى حنيفة بحيث لا يعرف اليوم أن أيوب كان صاحب مذهب إلا القليل من الناس.
Sayfa 67