وكذلك لما رأت حاسة البصر الآيات المجعولات، وما فطر الله من الأرضين والسموات؛ علم ذو الحاسة بعقله وتمييزه أن لذلك مدبرا جاعلا، وخالقا محدثا فاعلا، ليس لشيء من خلقه مشابها ولا مشاكلا، لأن كل ما يدرك بالتحديد والتبعيض والعيان من الأشياء لاتخلو من أن يكون غيرها جعلها، أو هي جعلت أنفسها، فلما أن كان ذلك كذلك؛ نظرنا في خلقها لأنفسها فاستحال عندنا، وامتنعت من قبوله عقولنا، لأنها كانت من قبل الجعل عدما، والعدم فلا يجعل موجودا، ولا يخلق جسما، لأنه ليس بشيء، وما لم يكن بشيء فلا يفعل أبدا شيئا، فضلا عن أن يخلق جسما.
فلما أن بطل لما ذكرنا أن تكون جعلت أنفسها، ثبت أن الجاعل لها غيرها، المصور المقدر لخلقها (فلما أن ثبت أن فاعلها غيرها؛ ثبت أنه بخلافها)(1)، وأنه مباين في كل الأمور لها، غير مشاكل لشيء منها.
فلما أن صح بعده عن مشاكلتها؛ صح عجز المجعولات عن درك جاعلها، وثبت انحسارها عن تحديد خالقها، فلما أن صح عجزها عن دركه، وثبت انحسارها عن تحديد خالقها؛ ثبت بذلك له أيها السائل ما أنكرت من معرفته سبحانه.
فلما ثبتت لك معرفته؛ صحت لك بلا شك وحدانيته، ولما صحت له الوحدانية؛ وجبت له جل جلاله الربوبية. فافهم ما عنه سألت، وانظر فيه إذا نظرت بلب حاضر، ورأي وارد صادر، يبن لك في ذلك الصواب، وينكشف لك عنه الحجاب، إن شاء الله، والقوة بالله وله.
[حجج العقل والنقل هل تتضاد؟]
Sayfa 250