ومكثت في السجن أنتظر يوم الإعدام، وبلغ بي الضيق منتهاه ... وإذا بشعور يهمس لي بأن ما أعاني ما هو إلا كابوس، عند ذاك قررت أن أستيقظ مهما كلفني الأمر، ورحت أضرب مقدم رأسي بقوة ودون توقف ناشدا بإصرار اليقظة المأمولة.
الحلم رقم 16
رأيت فيما يرى النائم.
أن طيفا زارني بليل فقدم لي كأسا، وقال بصوت عذب: اشرب.
فشربتها حتى الثمالة، ذاب الطيف في الظلمة ... وانتشر السائل في جسدي وروحي كالشذا الطيب، ونهضت وأنا أشعر شعورا راسخا بأنني أملك قوة لا حد لها. وأردت أن أجرب صدق شعوري فأمرت النوافذ أن تفتح، وفي الحال انفتحت النوافذ على مصراعيها وتدفق النور، وخرجت أتجول في شوارع المدينة معتزا بالقوة الخارقة، وفطنت غرائز القوم الملهمة لسر القوة الكامنة في أعماقي ... فخاطبتني نظراتهم الكسيرة بأمانيهم المكبوتة. تلقيت عشرات الرسائل الخفية الضارعة بمحو هذا الشر أو ذاك، وتحقيق هذه الرغبة أو تلك، وتأديب هذا الرجل أو قتل ذاك ... ووجدتني مثقلا بالآمال والأماني والتبعات، فاستحالت القوة إلى عبء تنوء به الجبال. وتسلل إلي خاطر لا أدري من أين جاء بأن هذه القوة الخارقة لن تدوم إلا ما دام السائل في جوفي ... وعلى ذلك تركز تفكيري في استغلالها لدعم سعادتي الشخصية، وألقيت العبء عن كاهلي وانحصرت في هدف محدد واضح. ولكن ما كاد يزايلني القلق حتى ترامى إلي وقع أقدام ثقيلة تطاردني، وهزئت بالمطاردة والمطاردين وقلت لنفسي سيرونني في اللحظة الحرجة وأنا أحلق كالنسر أو أختفي كالوهم ... واقتربت مني الأقدام والأصوات الغاضبة فأمرت جسدي بالاختفاء عن الأعين، وحدثت معجزة ولكن مضادة، لم يصدع جسدي بأمري، وتطايرت قوتي في الجو، فوقعت بين يدي المطاردين بلا حول، ولم يعد لي من أمل إلا في صحوة رحيمة تعقب كابوسا مخيفا.
الحلم رقم 17
رأيت فيما يرى النائم.
أنني جالس تحت مظلة سوداء، أتسلى بمشاهدة صندوق الدنيا. وتتابعت المشاهد أمام عيني المبهورتين بدءا بالإنسان البدائي، مرورا بالحضارات القديمة والمتوسطة والحديثة حتى صعود الإنسان إلى القمر، ثم وجدتني في مسكني فريسة لرغبة جامحة هي أن أصعد إلى القمر، وكنت أجلس وسط متاع غزير، تراكم بعضه فوق بعض حتى غطى الجدران وسد النوافذ، وكان جسمي نفسه مثقلا بالأوسمة والهدايا الثمينة حتى تعذرت علي الحركة وأخذت أغوص في الأرض، وعلمت بطريقة ما أنني أنتظر زائرا هاما، فحرت كيف أستقبله، وأين أجلسه، وخفت سوء العاقبة ... وضاق صدري بفساد الجو والزمن فتمردت على حرصي وأقبلت أنزع الأوسمة والهدايا من أركان جسدي، وأركل المتاع يمنة ويسرة حتى شققت لنفسي طريقا إلى الخارج، وتنفست بعمق فأذهلتني خفة وزني، ولاح الزائر قادما عند الأفق، ولكنني لم أستطع انتظاره؛ إذ مضيت أترجح وأرتفع عن الأرض على مهل وثبات. أدركت أني أحلق في الفضاء وأني كلما ارتفعت مترا ازددت سرعة، وغمرني الشعور بالانعتاق ووعدني بمسرات تعجز عن وصفها الكلمات.
Bilinmeyen sayfa