لقد حق علينا الآن أن ننصرف عن هذا الفكر السخيف الوضيع، ونقبل على ما هو أحق بشغل العقول والأفهام.
وبعد، فهناك مسألة أو مسائل خطيرة ينبغي درسها ولو درسا سريعا قبل البت في هذا الحدث الجسام، على أن تكون الكرامة الوطنية من هذا الدرس في أسمى مكان. (1)
هل حان الوقت الذي تدخل فيه مصر الحرب مع الطليان أو غير الطليان؟
اللهم إن مصر لحريصة شديدة الحرص على الوفاء بعهودها لحليفتها العظيمة، ومن هذه العهود أن تشترك معها في الدفاع في داخل حدود البلاد، فهل وطئ الطليان أرض مصر حتى تهب طوعا للعهد المسئول، للنضال والكفاح؟ (2)
لندع هذا العهد فهو موفى - إن شاء الله - إذا وطئ عدو حدود هذه البلاد - لا أذن الله - ولننظر نظرة أسمى وأخلق بأمة تنشد المجد، وتضرب على التضحية في سبيل الكرامة أبلغ الأمثال.
ندع هذا العهد ونقبل على أنفسنا بهذا السؤال أترى هذا مما يتسق لكرامتنا القومية أن تظل في موقف المتفرج على هذا الصراع بين من يحاول الإغارة على أرض وطننا، وبين من يدافع بقوة السلاح عنها، إلى أن ينكشف له بعض الثغور، فتقتحم جيوشه علينا اقتحاما وحينئذ نهب للقتال والصيال! فإذا لم يكتب لهذا المغير فتح ولا غزو، بل لقي اندحاره في جوف الصحراء فماذا يكون شأننا بعد ذلك وبأي وجه - لعمري - تلقى الأمم العزيزة، والأمة الإنجليزية على وجه خاص؟ (3)
وأخيرا، ترى هل فكر أولئك الداعون إلى إعلان الحرب فيما تستهلك هذه الحرب من جليل الأموال؟ وإذا كانت إنجلترا تنفق في سبيلها الملايين في كل صباح ومساء، فلا أقل من أنها تقتضينا كل يوم مئات الآلاف أو عشراتها على أوضح تقدير!
إني لأرجو أن يكون أولئك الدعاة إلى الحرب قد فكروا في هذه الناحية وأحسنوا التقدير.
هذه هي أمهات المسائل التي ينبغي ان تدرس ولو درسا سريعا قبل البت في هذا الحدث الجسام.
ولعل خير ما يصنع أن تسرع الحكومة إلى عقد مجلس ينتظم الأقطاب من رجال الحكم، وقادة الحرب، وزعماء الرأي، حتى إذا انتهوا بعد تشاور إلى رأي، مضت على اسم الله والبلاد من ورائها صفا واحدا، مزودا بالفوز العظيم سواء في الحرية أو في السلام.
Bilinmeyen sayfa