ولئن عاب أهل الدنيا طياريكم، معشر الطليان، بأنهم لا يحسنون إصابة الأهداف، لقد اضطرب هذا الحكم عليهم بين الجهل والتجني فطياروكم أحسن الطيارين تسديدا إلى المرامي وإصابة للأهداف، ما دامت القذيفة شيخا في حدود المائة، والهدف ظهر الصحراء!
عزيزي الماريشال!
لقد انعقد إجماع أهل العلم على أن الشجاعة تلازمها الرقة للضعيف ورحمة من ليس له بالكفاح يدان، وكذلك كان شأنكم، يا معشر قادة الجنود، فإنكم لا تؤذون الأسرى وتسرعون إلى مداواة الجرحى من عدوكم، كما تداوون جرحاكم سواء بسواء، وتلقون الجميع بالبشاشة، وتعاملونهم بالإكرام، فما بالك قد صنعت بي أنا الشيخ الفاني، ذلك الذي لم يسمع بمثله أحد طول الزمان، هذا الذي لا ترضى بفعله الحجارة، لو كانت الحجارة تشعر وتريد.
لقد التمست لك وجه العذر يا عزيزي الماريشال، ولا تعجب لأن ألتمس أنا العذر لك أنت، فإنني في دار لا نحس فيها حقدا ولا يجد الضغن إلى قلوبنا سبيلا.
ألم يقل الله تعالى في كتابه الكريم:
ونزعنا ما في صدورهم من غل
1
الآية.
وجه العذر - فيما أرى - أنكم معشر الطليان، أو معشر الفاشت، على الأصح، وقد جمعتم العزم على فتح أفريقيا؛ لتستنقذوها من الجهالة، وتخرجوها إلى نور الحضارة، رأيتم سلفا أن تشهدوا العالم على مبلغ ما أحرزتم أنتم من حضارة وعطف على الإنسان، وليس من شك بعد هذا في أن فعلتك تيك إنما كانت أصدق نموذج - عينة - لحكمكم إذا ملكتم نواحي الأرض، وبلغتم منيتكم في استعادة ملك الرومان !
ولعلك أيها الماريشال الشجاع جدا، ساعة تقدمت بإعدامي على تلك الصورة قدرت أنني لن أتعذب أكثر من دقيقة واحدة، فإنني كنت أجهل مصيري حتى إذا قذفوا بي في الجو خفق قلبي خفقة أو اثنتين ثم استشعرت صدمة هل علمت خطرة البرق؟ ثم لم أدر شيئا ولم أحس شيئا، حتى رأيتني في الجنة بين الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.
Bilinmeyen sayfa