أعود فأقول: إن الدكتور أعلم مني بأن «الحزن» على هذا المعنى، كان في صدر الإسلام فنا له خطر، والدكتور أعلم مني بأن ابن سريج، وأن الغريض كانا كلاهما نائحين قبل أن يكونا مغنيين، وهما من نعلم جلالة فن وجودة صنعة، وبراعة أداء، وابن سريج والغريض بعد إذا غنيا وذهب لهما في الغناء صيت وذكر، لم يكن أحد منهما ولا من أضرابهما ليخرج من تلحين الأصوات؛ لتنوح بها النائحات في جلى الحادثات.
وهذه كتب الأدب العربي بأخبار النياحات، فلندع إذن هذا الحديث المعاد.
أما مصر فلها في فن الحزن عرق عريق وخاصة في العصر الحديث، ولا يزال هذا الفن قائما إلى الآن، وإن جعل يقبل على الدثور مع الأسف العظيم، ما دمنا نرانا بحاجة إلى إنشاء فنون الأحزان!
لا يزال في مصر إلى الآن الندابات،
1
ولا يزال فيها النائحات أو بالتعبير الشائع المعددات،
2
أعاذنا الله وأعاذ القراء جميعا من الحاجة إلى هؤلاء وإلى هؤلاء.
أما الندابات فجماعة من النساء يلقين ترانيمهم على نقر الدفوف في قوة وعنف، إذ النساء من أهل الميت يثبن على هذا النقر وثبا، ويوقعن على هذا النبر لا ضربا على أوتار العود بل لطما على الخدود، حتى يفرى أديمها وتهرى لحومها.
وأما النائحات المعددات فلا دفوف في أيديهن ولا يصوتن بالعديد إلا فرادى، وكلما انتهين إلى موقف عج النساء جميعا بالصياح وبكين فاستعبرن، سواء في ذلك أهل الميت ومن لا شأن لهن به من المعزيات، ويظل هذا ثلاثة أيام من وفاة الميت وكل يوم خميس، ثم تختم هذه النياحات بيوم الأربعين.
Bilinmeyen sayfa