المملكة العربية السعودية
وزارة التعليم العالي
جامعة أم القرى
كلية الدعوة وأصول الدين
قسم الكتاب والسنة
قوت المغتذي على جامع الترمذي
للإمام جلال الدين عبد الرَّحمن بن الكمال أبي بكر السيوطي
المتوفى سنة ٩١١ هـ
دراسة وتحقيق
رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه في الكتاب والسنة
إعداد الطالب
ناصر بن محمد بن حامد الغريبي
إشراف
فضيلة الأستاذ الدكتور/ سعدي الهاشمي
١٤٢٤ هـ
الجزء الأول
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وزارة التعليم العالي جامعة أم القرى كلية الدعوة وأصول الدين نموذج رقم (٨) إجازة أطروحة علمية في صيغتها النهائية بعد إجراء التعديلات المطلوبة الاسم الرباعي: ناصر بن محمد بن حامد الغريبي كلية: الدعوة وأصول الدين قسم: الكتاب والسنة الأطروحة مقدمة لنيل درجة: الدكتوراه في تخصص: كتاب وسنة عنوان الأطروحة: قوت المغتذي على جامع الترمذي * * * الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد،،، فبناء على توصية اللجنة المكونة لمناقشة الأطروحة المذكورة أعلاه، والتي تمت مناقشتها بتاريخ ١٠/١١/١٤٢٥ هـ بقبولها بعد إجراء التعديلات المطلوبة، وحيث قد تم عمل اللازم فإن اللجنة المذكورة توصي بإجازة الأطروحة في صيغتها النهائية المرفقة للدرجة العلمية المذكورة أعلاه. أعضاء اللجنة المشرف الاسم: أ. د. سعدي الهاشمي المناقش الداخلي أ. د. جلال الدين عجوه المناقش الخارجي د. عبد الصمد بكر عابد يعتمد/ رئيس قسم الكتاب والسنة د. مطر بن أحمد الزهراني _________ * يوضع هذا النموذج أمام الصفحة المقابلة لصفحة عنوان الأطروحة في كل نسخة.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وزارة التعليم العالي جامعة أم القرى كلية الدعوة وأصول الدين نموذج رقم (٨) إجازة أطروحة علمية في صيغتها النهائية بعد إجراء التعديلات المطلوبة الاسم الرباعي: ناصر بن محمد بن حامد الغريبي كلية: الدعوة وأصول الدين قسم: الكتاب والسنة الأطروحة مقدمة لنيل درجة: الدكتوراه في تخصص: كتاب وسنة عنوان الأطروحة: قوت المغتذي على جامع الترمذي * * * الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد،،، فبناء على توصية اللجنة المكونة لمناقشة الأطروحة المذكورة أعلاه، والتي تمت مناقشتها بتاريخ ١٠/١١/١٤٢٥ هـ بقبولها بعد إجراء التعديلات المطلوبة، وحيث قد تم عمل اللازم فإن اللجنة المذكورة توصي بإجازة الأطروحة في صيغتها النهائية المرفقة للدرجة العلمية المذكورة أعلاه. أعضاء اللجنة المشرف الاسم: أ. د. سعدي الهاشمي المناقش الداخلي أ. د. جلال الدين عجوه المناقش الخارجي د. عبد الصمد بكر عابد يعتمد/ رئيس قسم الكتاب والسنة د. مطر بن أحمد الزهراني _________ * يوضع هذا النموذج أمام الصفحة المقابلة لصفحة عنوان الأطروحة في كل نسخة.
Bilinmeyen sayfa
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد فإن مما أكرمني به ربي أن حظيت بخدمة شرح الجلال السيوطي على جامع الترمذي -وهو حلقة في سلسلة شروحاته على دواوين السنة- ليكون نسبنا موصولًا بؤلائك العلماء الراسخين، فنحيا بإحياء تراثهم ونزداد رقيًا. وبعد الدراسة تبين أن منهج المصنف في شرحه يتلخص كالتالي: أولًا: رام الشارح الاختصار فيما يأتيه من أحاديث سواء في سرد ألفاظها: بحيث لا يذكر إلا محل الشاهد فقط، أو في بيان معانيها: بأن كان اللفظ غريبًا -مثلًا- أزال غرابته بما استحسن من معاجم اللغة وشروح الحديث، وغالبًا ما يكتفي " بالنهاية " لابن الأثير؛ لما له من قبول واسع عند العلماء. أو كان ذا نكتة حديثية، كاختلاف الروايات في نص بين وصله وإرساله، أو رفعه أو وقفه، وما تحمله من علل، فإنه يشير إلى كل ذلك بما لا يثقل على الطالب المبتدي، ناقلًا أقوال الحفاظ وأئمة النقد في المسألة، وكثيرًا ما تسكن نفسه إلى تحقيق ابن سيد الناس، والحافظ العراقي، وابن العربي؛ لأنهم شرحوا جامع الترمذي بقدر ما تيسر لكل واحد؛ ولأنهم أهل صناعة في الحديث. كما أنه يدلي برأيه في بعض المواطن ليحسم مادة النزاع في المسألة، كيف لا وهو إمام أهل زمانه في الحديث. قل مثل ذلك في نكاته النحوية والبلاغية مما يراه جديرًا بالتنبيه، لكن ببسط قليل. ثانيًا: لم يشرح الإمام السيوطي جميع سنن الترمذي، وإنما ينتقي منها ما يستبط منه فائدة، لا يزيد عنها. ثالثًا: أولى الشارح عناية ظاهرة بأفراد الإمام الترمذي، أي الذين لم يرو لهم الترمذي إلا حديثًا واحدًا، ولا يخفى ما في هذا من فائدة عند أهل العلم. أما عملي في الكتاب فهو كالآتي: - أولًا: عثرت -بعد البحث- على إحدى عشرة مخطوطة لشرح الجلال، اصطفيت منها ثلاثًا: التيمورية ورمزت لها بـ (ت)، ونسخة من كوبرلي في استانبول ورمزت لها بـ (كـ)، ونسخة من اليمن من مكتبة شيئون وهي محفوظة في دار "عارف حكمت" بالمدينة المنورة. ورمزت لها بـ (ش) . ثانيًا: عزوت الآيات القرآنية إلى سورها. ثالثًا: خرجت الأحاديث البالغة "١١٢١" من الكتب التسعة، مع ذكر كل حديث بتمامه في الهامش. رابعًا: ترجمت للأعلام، ورواة الحديث من كتب التراجم المعتمدة. خامسًا: عزوت كل قول إلى صاحبه بقدر ما يخدم الرسالة لا أزيد. سادسًا: سجلت بعض الملاحظات -كالتعليق- على هامش البحث، أرجو بذلك الإصلاح لا غير. سابعًا: ألحقت في الأخير فهارس للآيات والأحاديث والتراجم والمواضيع وغيرها؛ مما هو من صميم المنهج العلمي في تحقيق الرسائل. وبهذا أكون قد استوفيت فضل الله علي فلله الحمد أولًا وآخرًا، ثم إلى جامعة أم القرى -هذه القلعة المباركة- ممثلة في إدارتها الرشيدة وعلمائها الأفاضل. والله من وراء القصد والحمد لله رب العالمين د. ناصر بن محمد الغريبي
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد فإن مما أكرمني به ربي أن حظيت بخدمة شرح الجلال السيوطي على جامع الترمذي -وهو حلقة في سلسلة شروحاته على دواوين السنة- ليكون نسبنا موصولًا بؤلائك العلماء الراسخين، فنحيا بإحياء تراثهم ونزداد رقيًا. وبعد الدراسة تبين أن منهج المصنف في شرحه يتلخص كالتالي: أولًا: رام الشارح الاختصار فيما يأتيه من أحاديث سواء في سرد ألفاظها: بحيث لا يذكر إلا محل الشاهد فقط، أو في بيان معانيها: بأن كان اللفظ غريبًا -مثلًا- أزال غرابته بما استحسن من معاجم اللغة وشروح الحديث، وغالبًا ما يكتفي " بالنهاية " لابن الأثير؛ لما له من قبول واسع عند العلماء. أو كان ذا نكتة حديثية، كاختلاف الروايات في نص بين وصله وإرساله، أو رفعه أو وقفه، وما تحمله من علل، فإنه يشير إلى كل ذلك بما لا يثقل على الطالب المبتدي، ناقلًا أقوال الحفاظ وأئمة النقد في المسألة، وكثيرًا ما تسكن نفسه إلى تحقيق ابن سيد الناس، والحافظ العراقي، وابن العربي؛ لأنهم شرحوا جامع الترمذي بقدر ما تيسر لكل واحد؛ ولأنهم أهل صناعة في الحديث. كما أنه يدلي برأيه في بعض المواطن ليحسم مادة النزاع في المسألة، كيف لا وهو إمام أهل زمانه في الحديث. قل مثل ذلك في نكاته النحوية والبلاغية مما يراه جديرًا بالتنبيه، لكن ببسط قليل. ثانيًا: لم يشرح الإمام السيوطي جميع سنن الترمذي، وإنما ينتقي منها ما يستبط منه فائدة، لا يزيد عنها. ثالثًا: أولى الشارح عناية ظاهرة بأفراد الإمام الترمذي، أي الذين لم يرو لهم الترمذي إلا حديثًا واحدًا، ولا يخفى ما في هذا من فائدة عند أهل العلم. أما عملي في الكتاب فهو كالآتي: - أولًا: عثرت -بعد البحث- على إحدى عشرة مخطوطة لشرح الجلال، اصطفيت منها ثلاثًا: التيمورية ورمزت لها بـ (ت)، ونسخة من كوبرلي في استانبول ورمزت لها بـ (كـ)، ونسخة من اليمن من مكتبة شيئون وهي محفوظة في دار "عارف حكمت" بالمدينة المنورة. ورمزت لها بـ (ش) . ثانيًا: عزوت الآيات القرآنية إلى سورها. ثالثًا: خرجت الأحاديث البالغة "١١٢١" من الكتب التسعة، مع ذكر كل حديث بتمامه في الهامش. رابعًا: ترجمت للأعلام، ورواة الحديث من كتب التراجم المعتمدة. خامسًا: عزوت كل قول إلى صاحبه بقدر ما يخدم الرسالة لا أزيد. سادسًا: سجلت بعض الملاحظات -كالتعليق- على هامش البحث، أرجو بذلك الإصلاح لا غير. سابعًا: ألحقت في الأخير فهارس للآيات والأحاديث والتراجم والمواضيع وغيرها؛ مما هو من صميم المنهج العلمي في تحقيق الرسائل. وبهذا أكون قد استوفيت فضل الله علي فلله الحمد أولًا وآخرًا، ثم إلى جامعة أم القرى -هذه القلعة المباركة- ممثلة في إدارتها الرشيدة وعلمائها الأفاضل. والله من وراء القصد والحمد لله رب العالمين د. ناصر بن محمد الغريبي
المقدمة / 1
إهداء
إلى كل من ضحَّى بوقته وجهده لخدمة العلم وطلاَّبه أهدي هذه الرسالة
المقدمة / 2
كلمة شكر
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على خير البرية، وقائد البشرية نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد.
فإني أشكر الله ﷾ على ما منَّ به علينا من النعم، ومنها أن شرفنا بدراسة السنة ومجالسة أهل الحديث، كما أشكر جامعة أم القرى وعلى رأسها مديرها، وأساتذتها، وموظفيها لما قاموا به، ويقومون به من أجل خدمة العلم وطلابه، ثم أُثنِّي بالشكر للدكتور سعدي الهاشمي الذي أشرف على هذه الرسالة، ففتح لنا قلبه وبيته وأعطانا من وقته، فصحح، ووجَّه، فجزاه الله على ذلك خير الجزاء.
كما يمتد شكري إلى جميع أساتذتي، وإخواني وزملائي الذين قاموا معي خير قيام في المقابلة والتصحيح، وجلب المصادر، والكتب، والمخطوطات، فللجميع أقدم شكري وتقديري.
المقدمة / 3
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢)﴾ .
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١)﴾ .
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (٧١)﴾ (١) .
أما بعد:
فإن الكتب الستة لها المكانة المتقدمة في كتب السنة النبوية حيث اشتملت على طائفة كبيرة من الأحاديث الصحيحة في أصول الدين والأحكام، والآداب والرقائق، ومنها كتاب الجامع لأبي عيسى الترمذي الذي احتوى على أربعة عشر علمًا (٢) مما جعل أهل الحديث يهتمون به اهتمامًا بالغًا، فخص بطائفة من الشروح (٣)، ومن الذين عنوا به، ونكتوا عليه، وعلقوا عليه بحاشية ممتعة الحافظ جلال الدين السيوطي (ت:
_________
(١) هذه خطبة الحاجة رواها أبو داود، كتاب النكاح، باب خطبة النكاح (٢/٥٩١)، والترمذي في أبواب النكاح، باب خطبة النكاح (٣/٤٠٤) وقال: حديث حسن، والنسائي، كتاب النكاح باب ما يستحب في الكلام عند النكاح (٦/٨٩)، وغيرهم عن جمع من الصحابة، وهو حديث صحيح، وللشيخ ناصر الدين الألباني فيها رسالة بعنوان خطبة الحاجة خرَّج فيها الحديث.
(٢) أشار إلى ذلك القاضي أبو بكر بن العربي في عارضته (١/٦) .
(٣) سأذكرها في مبحث خاص.
المقدمة / 4
٩١١ هـ) والتي أطلق عليها "قوت المغتذي على جامع الترمذي" استكمالًا لمشروع مبارك خصصه لخدمة الكتب الستة، وكتب الأئمة الأربعة "الموطأ، ومسند أحمد، والشافعي، وأبي حنيفة" حيث قال في مقدمة كتابه "عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد": "واعلم أن لي على كل كتاب من الكتب المشهورة في الحديث تعليقة وهي: الموطأ، ومسند الشافعي، ومسند الإمام أبي حنيفة، والكتب الستة" و"عقود الزبرجد وهو خاص بالإعراب لما في المسند من الحديث".
وقد قمت بتحقيق هذا الكتاب خدمة مني لهذا الديوان العظيم من دواوين السنة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام. راجيًا من الله القبول إنه سميع مجيب.
المقدمة / 5
أسباب اختيار الموضوع:
بعد انتهائي من مرحلة الماجستير بدأت أبحث وأتتبع فهارس المخطوطات لاختيار موضوع يناسب رسالة الدكتوراه، أخدم فيه السنة النبوية، وبعد استشارة، وتقديم، وتأخير، وسؤال عما حقق، وسجل، اقترح عليّ الأستاذ الدكتور سعدي الهاشمي تحقيق كتاب "قوت المغتذي على جامع الترمذي" فانشرحت نفسي للموضوع؛ وذلك للأسباب التالية:
١- مكانة المؤلف العلمية، فالإمام السيوطي عالم ذائع الصيت، مشهود له برسوخ القدم في العلم، وإجادة فن التأليف.
٢- أهمية الكتاب العلمية، حيث إنه يتعلق بأهم مصدر من مصادر السنة النبوية وهو كنز ثمين أودع فيه مؤلفه ﵀ نقولات من أمهات المصادر -بعضها مفقود حتى الآن- حاول من خلالها كشف اللثام عما رأى أنه بحاجة إلى ذلك، سواء أكان ذلك يتعلق بالإسناد أو بالمتن.
٣- الرغبة الشخصية في اكتساب الخبرة من شروح العلماء
المختلفة ومناهجهم في شرح أحاديث النبي ﷺ واستخراج الأحكام الشرعية منها.
٤- الرغبة الشديدة في ممارسة تحقيق أثر من آثار العلماء الأعلام في خدمة السنة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام وتطبيق القواعد المتعارف عليها عند أهل الفن في تحقيق النصوص والمقابلة بين النسخ المختلفة.
ْولهذه الأسباب وغيرها مما لا مجال لذكره هنا عقدت العزم على تحقيق هذا السفر المبارك، وطلبت من فضيلته أن يكون مشرفًا عليّ في تحقيقه فوافق بعد اعتذار، وذلك لكثرة أعماله، والرسائل التي يشرف
المقدمة / 6
عليها، وتمت الموافقة من قبل القسم الموقر على الموضوع، وكذلك مجلس الكلية، والدراسات العليا، واشترطوا عليَّ تحقيقه بالكامل حيث يقع في متوسط عدد اللوحات (١٢٢) لوحة ذات (أ، ب)، فقبلت الشرط، وبدأت في العمل، والله المستعان، وعليه التكلان.
المقدمة / 7
الإمام أبو عيسى الترمذي
١- اسمه، ونسبه، ونشأته:
هو محمَّد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحَّاك أبو عيسى السُّلمِي الضَّرير البوغي الترمذي، الحافظ الإمام المجمع عليه (١) .
ولد في سنة تسع ومائتين، ويقال: ولد أعمى، والصحيح أنه أضرّ في كِبره، بعد رحلته وكتابتِهِ العلم (٢)، ويؤكد ذلك ما روى الحافظ عمر ابن علّك أنه قال: "مات البخاري فلم يخلف بخراسان مثل أبي عيسى في العلم والحفظ والورع والزهد، بكى حتى عمي وبقي ضريرًا سنين" (٣) .
طاف البلاد وسمع خلقًا من الخراسانيين والعراقيين والحجازيين (٤) .
أوتي الترمذي من الموهبة، والصفات، والأخلاق والفضائل ما جعله من أفذاذ العلماء وأئمة علم الحديث.
وقد رزق حافظة قلَّ نظيرها، أعانته على حفظ عشرات ألوف الطرق حتى كان يضرب به المثل في الحفظ (٥) .
ْروى عن نفسه، قال: "كنت في طريق مكة، فكتبت جزأين من حديث شيخ، فوجدته فسألته، وأنا أظن أنَّ الجزأين معي، فسألته فأجابني، فإذا معي جزآن بياض فبقي يقرأ عليَّ من لفظه، فنظر فرأى في يدي ورقًا بياضًا، فقال: أما تستحيي مني؟ فأعلمته بأمري، وقلت: أحفظه كله، قال: اقرأ، فقرأته عليه، فلم يصدقني، وقال: استظهرت قبل أن تجيئني، فقلت: حدثني بغيره، قال: فحدثني بأربعين حديثًا من
_________
(١) انظر: سير أعلام النبلاء (١٣/٢٧٠)، تهذيب التهذيب (٩/٣٤٤) .
(٢) انظر سير أعلام النبلاء (١٣/٢٧٠) .
(٣) سير أعلام النبلاء (١٣/٢٧٣)، تذكرة الحفاظ (٢/٦٣٤) .
(٤) تهذيب التهذيب (٩/٣٤٤) .
(٥) شروط الأئمة الستة ص (١٧)، وسير أعلام النبلاء (١٣/٢٧٣) .
المقدمة / 8
غرائب حديثه، ثم قال: هات اقرأ، فأعدتها عليه ما أخطأت في حرف فقال لي: ما رأيت مثلك" (١) .
ثناء العلماء عليه:
قال السمعاني: " إمام عصره بلا مدافعة، صاحب تصانيف " (٢) .
وقال ابن خلكان: " هو تلميذ أبي عبد الله محمَّد بن إسماعيل البخاري، وشاركه في بعض شيوخه.
وقد كتب عنه شيخه أبو عبد الله البخاري، فقال الترمذي في حديث عطية، عن أبي سعيد: يا علي لا يحل لأحد أن يجنب في المسجد غيري وغيرك، سمع منِّي محمَّد بن إسماعيل هذا الحديث (٣) ".
وقال الصلاح الصفدي: " وأخذ علم الحديث عن أبي عبد الله البخاري، وشاركه في بعض شيوخه " (٤) .
قال الحافظ أبو سعد عبد الرحمن بن محمد الحافظ الإدريسي (ت: ٤٠٥ هـ): " أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث، صنَّف الجامع والتواريخ والعلل تصنيف رجل عالم متقن، يضرب به المثل في الحفظ " (٥) .
قال الحافظ المزي: "أحد الأئمة الحفاظ المبرزين، ومن نفع الله
_________
(١) شروط الأئمة الستة (١٧/١٨)، سير أعلام النبلاء (١٣/٢٧٣)، تهذيب التهذيب (٩/٣٤٥) .
(٢) الأنساب (٢/٣٦٢) (٣/٤٢) ونحوه في معجم البلدان (٢/٢٧) .
(٣) وفيات الأعيان (١/٤٨٤) . انظر: سير أعلام النبلاء (١٣/٢٧٢) . والحديث رواه الترمذي في الجامع في المناقب (٣٧٢٧) باب مناقب علي بن أبي طالب، وقال عنه: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وقد سمع مني محمد بن إسماعيل هذا الحديث واستغربه، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٧/٦٦)، وضعيف الترمذي للشيخ الألباني ﵀ (٧٧٨) .
(٤) في نكت الهميان في نكت العميان ص (١٧٠) .
(٥) تهذيب التهذيب (٩/٢٤٤) .
المقدمة / 9
به المسلمين" (١) .
قال الذَّهبي: " محمَّد بن عيسى بن سورة الحافظ العلم، أبو عيسى الترمذي صاحب الجامع، ثقة، مجمع عليه (٢) ".
وقال عنه الإمام الحافظ العلم الإمام البارع ابن الأثير الجزري: "كان إمامًا حافظًا، له تصانيف حسنة، منها الجامع الكبير في الحديث "، وقال أيضًا: "وهو أحد العلماء الحفاظ الأعلام وله في الفقه يد صالحة". (٣)
حدَّث عن: قُتيبة بن سعيد (ت: ٢٤٠ هـ)، وإسحاق بن راهويه (ت: ٢٣٨ هـ)، ومحمَّد بن عَمْرو السَّوَّاق البلخي (ت: ٢٤٠ هـ)، ومحمود بن غيلان (ت: ٢٣٨ هـ)، وإسماعيل بن موسى الفَزَارِي (ت: ٢٣٦ هـ)، وأحمد بن منيع (ت: ٢٤٤ هـ)، وأحمد بن الحارث (ت: ٢٤٢ هـ)، وأبي مصعب الزهري (ت: ٤٤٢ هـ)، وبشر بن معاذ العقدي، والحسن بن أحمد بن أبي شعيب (ت: ٢٤٤ هـ)، وأبي عمار الحسين بن حريث (ت: ٢٤٤ هـ)، وعبد الله بن معاوية الجمحي (ت: ٢٥٠ هـ)، وعبد الجبَّار بن العلاء (ت: ٢٤٤ هـ)، وأبي كريب محمد بن العلاء (ت: ٢٤٨ هـ)، وعلي بن حُجْر (ت: ٢٤٣ هـ)، وعلي بن مسروق الكندي (ت: ٢٤٨ هـ)، وعمرو بن علي الفلاَّس (ت: ٢٤٩ هـ)، وعمران بن موسى القزَّاز (ت: ٢٤٠ هـ)، ومحمَّد بن أبان المستملي (ت: ٢٤٤ هـ)، ومحمَّد بن حميد الرازي (ت: ٢٤٨ هـ)، ومحمَّد بن عبد الأعلى (ت: ٢٥٤ هـ)، ومحمَّد بن رافع (ت: ٢٤٥ هـ)، ومحمَّد بن عبد العزيز بن أبي رِزْمَة (ت: ٢٤١ هـ)، ومحمَّد بن عبد الملك بن أبي
_________
(١) تهذيب الكمال في أسماء الرجال (١٠/٢٢) .
(٢) ميزان الاعتدال في نقد الرجال (٦/٢٨٩) .
(٣) الكامل (٧/١٥٢) . وانظر: جامع الأصول (١/٨١٤) (١/١٩٣) (٢/١١) .
المقدمة / 10
الشَّوارب (ت: ٢٤٤ هـ)، ومحمَّد بن يحيى العَدَنِي (ت: ٢٤٣ هـ)، ونضر بن علي (ت: ٢٥٠ هـ)، وهارون الحمَّال (ت: ٢٤٣ هـ)، وهنَّاد ابن السَّري (ت: ٢٤٣ هـ)، وأبي همَّام الوليد بن شُجاع (ت: ٢٤٣ هـ)، ويحيى بن أَكْثَم (ت: ٢٤٣ هـ)، ويحيى بن حبيب بن عربي (ت: ٢٤٨ هـ)، ويحيى بن دُرُست البصري، ويحيى بن طلحة اليَرْبُوعِي، ويوسف بن حمَّاد المَعْنِي (ت: ٢٤٥ هـ)، وإسحاق بن موسى الخَطْمِي (ت: ٢٤٤ هـ)، وإبراهيم بن عبد الله الهروي (ت: ٢٤٤ هـ)، وسُويد بن نَصر المَرْوَزِي (ت: ٢٤٠ هـ) (١) .
حدث عنه: أبو بكر أحمد بن إسماعيل السمرقندي، وأبو حامد أحمد بن عبد الله بن داود المروزي، وأحمد بن علي بن حسنويه المقرئ، وأحمد بن يوسف النسفي، وأسد بن حمدويه النسفي، والحسين بن يوسف الفرَبْري، وحماد بن شاكر الورَّاق (ت: ٣١١ هـ)، وداود بن نصر بن سهيل البزدوي (ت: ٣٢٣ هـ)، والربيع بن حيَّان الباهلي، وعبد الله بن نصر أخو البزدوي، وعبد بن محمَّد بن محمود النسفي أبو بكر (ت: ٣٢٦ هـ)، وعلي بن عمر بن كلثوم السمرقندي، والفضل بن عمَّار الصَّرَّام، وأبو العباس محمَّد بن أحمد بن محبوب (ت: ٣٤٦ هـ) راوي "الجامع"، وأبو جعفر محمَّد بن أحمد النسفي وأبو جعفر محمَّد بن سفيان بن النضر النسفي الأمين، ومحمَّد بن محمَّد بن يحيى الهروي القرَّاب (ت: ٣٢٤ هـ)، ومحمَّد بن محمود بن عنبر النسفي، ومحمَّد بن مكي بن نوح النسفي، والمُسيح بن أبي موسى الكاجري، وأبو مطيع مكحول بن الفضل النسفي (ت: ٣٠٨ هـ)، ومكي بن نوح المقرئ النسفي (ت: ٣٠٨ هـ)، ونَصر بن محمَّد بن سَبْرَة الشيركي والهيثم بن
_________
(١) سير أعلام النبلاء (١٣/٢٧١) .
المقدمة / 11
كُلَيب الشَّاشِي الحافظ (ت: ٣٣٥ هـ)، راوي " الشمائل " عنه وآخرون (١) .
مؤلفاته:
١- الجامع المختصر من السنن عن رسول الله ﷺ ومعرفة الصحيح والمعلول وما عليه العمل.
عن أبي علي منصور بن عبد الله الخالدي: " قال أبو عيسى: صنفت هذا الكتاب، وعرضته على علماء الحجاز، والعراق، وخراسان فرضوا به، ومن كان هذا الكتاب -يعني الجامع- في بيته، فكأنما في بيته نبي يتكلَّم (٢) ".
قال الذَّهبي: " في " الجامع " علم نافع، وفوائد غزيرة، ورؤوس ْالمسائل، وهو أحد أصول الإسلام، لولا ما كدَّره بأحاديث واهية، بعضها موضوع، وكثيرٌ منها في الفضائل ".
وقال أبو نصر عبد الرَّحيم بن عبد الخالق: " الجامع " على أربعة أقسام:
أ- قسم مقطوع بصحته.
ب- وقسم على شرط أبي داود والنسائي كما بيَّنا.
ج- وقسم أخرجه للضديَّة وأبان علَّته.
د- وقسم رابع أبان عنه، فقال: ما أخرجت في كتابي هذا إلاَّ حديثًا
قد عمل به بعض الفقهاء، سوى حديث: (فإن شرب في الرَّابعة فاقتلوه)
وسوى حديث (جمع بين الظُّهر والعصر بالمدينة من غير خوفٍ ولا سفرٍ) ".
وأضاف الذَّهبي قائلًا: " جامعه قاض له بإمامته وحفظه وفقهه ولكن
يترخَّص في قبول الأحاديث ولا يشدد، وَنَفَسُه في التَّضعيف رَخْوٌ " (٣) .
_________
(١) انظر: سير أعلام النبلاء (١٣/٢٧٢) .
(٢) سير أعلام النبلاء (١٣/٢٧٤) .
(٣) سير أعلام البلاء (١٣/٢٧٤-٢٧٦) .
المقدمة / 12
قال محمد بن طاهر المقدسي في المنثور: سمعتُ أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري شيخ الإسلام يقول: " جامع الترمذي " أنفع من كتاب البخاري ومسلم؛ لأنهما لا يقف على الفائدة منهما إلاَّ المتبحر العالم "والجامع" يصل إلى فائدته كل أحد من الناس " (١) .
ولقد امتاز كتاب الترمذي "الجامع" بما يلي:
أ- أنه حكم على أحاديثه من حيث الصحة والسقم، وأبان عن علَّتها في الأغلب الأعم.
ب- أنَّ جميع أحاديث الكتاب هي مما عمل به بعض الفقهاء.
ج- أنه حوى آراء أشهر الفقهاء المسلمين الذين عاشوا قبله.
د- أنه اعتنى بذكر " العلل " وأحوال الرواة وبيان منازلهم.
هـ- سهولة ترتيبه ووضوح طريقته.
٢- " الشمائل النبوية " المعروف بشمائل الترمذي (٢) .
ْ٣- "العلل الكبيبر".
٤- "العلل الذي في آخر الجامع".
٥- "الزهد" المفرد قال الحافظ ابن حجر: "ولم يقع لنا" (٣) .
٦- التاريخ (٤) .
٧- أسماء الصحابة (٥) .
_________
(١) شروط الأئمة الستة ص (١٩)، وانظر: سير أعلام النبلاء (١٣/٢٧٧)، البداية والنهاية (١١/٦٦) .
(٢) البداية والنهاية (١١/٦٦)، والنجوم الزاهرة (٣/٨١) .
(٣) تهذيب التهذيب (٩/٣٤٥) .
(٤) الفهرست لابن النديم (١/٢٣٣)، الأنساب للسمعاني (٣/٤٢)، تهذيب التهذيب (٩/٣٨٨)، هدية العارفين للبغدادي (٢/١٩) .
(٥) البداية لابن كثير (١١/٦٧)، وقد قام بتحقيقه عماد الدين أحمد حيدر، على نسختين: شهيد علي تحت رقم (٢٨٤٠) ولاله لي تحت رقم (٢٠٨٩) عام ١٤٠٦ هـ، مؤسسة الكتب الثقافية، لبنان.
المقدمة / 13
٨- الأسماء والكنى (١) .
٩- كتاب في الآثار الموقوفة، أشار إليه الترمذي في آخر الجامع (٢)
وفاته:
قال غنجار وغيره: مات أبو عيسى في ثالث عشر رجب، سنة تسع وسعبين ومائتين بترمذ (٣) .
وقد وردت ترجمة الترمذي في عديد من الكتب منها:
ثقات ابن حبان (٩/١٥٣)، وأنساب السمعاني (٣/٤٥)، ومعجم البلدان لياقوت الحموي (٢/٣٠٧، ٣٠٨)، والكامل في التاريخ (٧/٤٦٠)، ووفيات الأعيان (٤/٢٧٨)، وتهذيب الكمال (٢٦/٢٥٠، ٢٥٢)، وتاريخ الإسلام للذهبي حوادث وفيات (٢٧١-٢٨٠) ص (٢٥٩)، وسير أعلام النبلاء (١٣/٢٧٠)، والكاشف (٣/الترجمة ٨٠٣٥)، والعبر (٢/٦٢)، وميزان الاعتدال (٣/الترجمة ٨٠٣٥)، وتذكرة الحفاظ (٢/٦٣٣)، والوافي بالوفيات للصفدي (٤/٢٩٤)، ونكت الهيمان (٢٦٤)، والبداية والنِّهاية (١١/٦٦، ٦٧)، وتهذيب التهذيب (٩/٣٨٧)، والنجوم الزاهرة (٣/٨٨)، وشذرات الذَّهب (٢/١٧٤)، وغيرها.
_________
(١) تهذيب التهذيب (٩/٣٤٥) .
(٢) العلل ص (٣١) .
(٣) سير أعلام النبلاء (١٣/٢٧٧)، وانظر: شرح العلل لابن رجب (١/٣٣٨) .
المقدمة / 14
الإمام السيوطي
اسمه ونسبه: عبد الرَّحمن بن الكمال أبي بكر بن محمَّد بن سابق الدِّين بن الفخر عثمان بن ناظر الدِّين محمَّد بن سيف الدين خضر بن نجم الدين أبي الفلاح أيوب بن ناصر الدِّين محمَّد بن الشيخ همام الدِّين الخُضيري الأسيوطي الطولوني (١) .
كنيته: أبو الفضل، ولقبه: جلال الدِّين.
ونسبته: السيوطي، إلى أسيوط، بصعيد مصر.
ولادته: ولد في القاهرة ليلة الأحد بعد المغرب، مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة (٢) وكانت ولادته في مكتبة أبيه عندما طلب من أمه أن تأتي بكتاب، فجاءها المخاض فولد وسط الكتب، ولذا أطلق عليه ابن الكتب (٣) .
نشأته: نشأ السيوطي ﵀ في وسط علم وفضل، فوالده من قضاة أسيوط، ثم انتقل إلى القاهرة
"توفي والده ﵀ وله من العمر خمس سنوات وسبعة أشهر، فنشأ يتيمًا فكان وصيا عليه كمال الدِّين بن الهمام، ولقد كان آية في الحفظ والعلم، فحفظ القرآن وكان دون الثامنة" (٤)، حتَّى أصبح من النوابغ في وسط علمي ذهبي.
عصره:
كان عصر السيوطي من العصور الذَّهبية في النواحي العلمية وقد
_________
(١) السيوطي: حسن المحاضرة (١/٣٣٦) . التحدث بنعمة الله ص (٥) .
(٢) ابن إياس بدائع الزهور (١/٢٥٦) .
(٣) حاشية الأجهوري ص (١٠) .
(٤) حسن المحاضرة (١/٣٣٦) .
المقدمة / 15
كانت مصر، وبغداد، ودمشق تزخر بالقراء والعلماء والمحدثين، وكانت مكاتب التعليم في كل صقع من هذه الأصقاع، بل زاد الأمر قوة عندما أصبح المماليك مولعين بحب اللغة، بل وصل الأمر بهم إلى الخوض والنظر في تراكيب اللغة والشعر، لذا كان البعض منهم من أوائل المتقنين لهذه الفنون (١)، ولقد كان المماليك يفخرون بأنهم حكام العرب، كما أنَّ اعتناقهم للإسلام وتوقيرهم للخلفاء، واعتبارهم أنَّ اللغة العربية لغة الإسلام والقرآن جعلهم يهتمون بالعلوم الشرعية، كانت هذه الأسباب التي أدت إلى ازدهار الناحية العلمية، وتشجيع العلم ومدارسته وتوقير العلماء والقضاة، ولعلَّ أهم وأبرز أسباب ازدهار الناحية العلمية تتلخص فيما يلي:
١- حب الأمراء والسلاطين للعلم والعلماء، والاشتغال بهذا الجانب والتشجيع على التصنيف والتأليف.
٢- نقل المماليك دار الخلافة إلى مصر، جعل مصر حاملة لواء الثقافة الإسلامية.
٣- الاستقرار وعدم وجود الفتن والحروب والقلاقل التي تشغل عن الاهتمام بهذا الجانب.
٤- كثرة الأوقاف التي وقفها المسلمون على طلبة العلم، مما جعل الجامع الأزهر محطًّا لكثير من العلماء وطلبة العلم.
٥- كثرة المدارس ووفرة المكتبات العامة والمعاهد حتى ذكر أنه يصعب حصرها، بل كانت لكل مدرسة مرافق تدل على الاهتمام بها، فالمدرسة يكون بها مسجد ومكتبة، ومساكن لطلبة العلم، وإعاشة للطلبة.
٦- حضور السلاطين مجالس الحديث والعلم والاهتمام بها.
_________
(١) بدائع الزهور، ابن إياس (٢/٩٠) .
المقدمة / 16
٧- كان الطالب في هذه المدارس يقوم بدراسة كل فن على حدة، ويقوم بدراسة متن أو كتاب كامل على شيخ، ثم ينتقل إلى الشيخ الآخر، فتجد الطالب قد تقلب في تعليمه على عدد من الشيوخ، وفي جميع التخصصات.
مما سبق جعل للتأليف مجالًا واسعًا، وكثرت المؤلفات الموسعة والمختصرة، بل انتشر في ذلك العصر كثرة الموسوعات في شتى أنواع المعرفة وكان لهذه الموسوعات، أثر في حفظ كثير من العلوم من الضياع بعد أن ألقى التتار بكثير من المكتبات في بغداد في النَّهر مما جعل النهر يتغير لونه (١) .
حياته:
لقد حفلت حياة السيوطي بالحفظ، والعلم والتعليم والإفتاء، والتأليف والمناظرة، حتى قال عن نفسه: " إنِّي رجل حبب إليَّ العلم والنظر فيه -دقيقه وجليله- والغوص على حقائقه، والتطلع إلى دقائقه، والفحص عن أصوله، وجبلت على ذلك فليس فيَّ مَنْبَتُ شَعْرَةٍ إلاَّ وهي ممحونة بذلك، ولقد أوذيت على ذلك أذى كثيرًا، من الجاهلين والقاصرين، وذلك سنة الله في العلماء السالفين (٢) ".
وهذا الكلام الموجز يبين ما كان عليه ذلك العالم، ونحن نرى ما جرى معه من علماء عصره من أخذ ورد، واستدراك، ومؤلفات مما يدل على ما كان عليه هذا العالم من التفرغ للعلم بكل وقته، وإغراقه فيه تدل عليه كتبه في التفسير، والحديث، وغيرها من فنون مختلفة، التي تشهد على أنه أفنى العمر كله في الاشتغال بالتأليف والجمع والكتابة.
_________
(١) الإمام الحافظ السيوطي وجهوده في الحديث، د. بديع اللحام ص (٤٩-٥٨)، عصر سلاطين المماليك ونتاجه العلمي والأدبي (٢/٣٥٧) .
(٢) السيوطي: تقريب الفئة بأجوبة الأمثلة المائة، ضمن الحاوي للفتاوى (٢/٣٠٠) .
المقدمة / 17
طلبه للعلم:
كان أبناء المسلمين في ذاك العصر يتسابقون في حفظ القرآن ومعرفة معانيه، فكيف بالإمام السيوطي وهو في بيت عالم من قضاة ذلك العصر، فقد حفظ القرآن ولم يتجاوز الثامنة من عمره، كما ذكرت آنفًا، ولأن ولايته كانت بأيدي العلماء فقد حفظ كثيرًا من المتون، مثل كتب الحنفية، والحاوي، وكتاب التهذيب وروضة الطالبين، وعمدة المتقين، في فروع الشافعية.
ثم شرع في قراءة صحيح مسلم على شمس الدين محمد بن موسى ابن محمود السيرامي، ومنهاج النووي، ومنهاج الوصول للبيضاوي في أصول الفقه، والشفاء، وألفية ابن مالك. كان ذلك في مستهل رجب عام (٨٦٦ هـ) وكتب له الإجازة بخطه (١) .
ثم بدأ في التصنيف فشرح الاستعاذة، والبسملة.
قال السيوطي: ووقفت عليه شيخ الإسلام علم الدين البُلْقيني فكتب عليه تقريظًا، ولازمته في الفقه إلى أن مات (ت: ٨٦٨ هـ)، فلازمت ولده، فقرأت عليه من أول التثريب لوالده، إلى الوكالة، وسمعت عليه من أول الحاوي الصغير إلى العدة، ومن أول المنهاج إلى الزكاة، ومن أول التنبيه إلى قريب من باب الزكاة، وقطعة من الروضة من باب القضاء، وقطعة من تكملة شرح المنهاج للزركشي (ت: ٧٩٥ هـ)، ومن إحياء الموات إلى الوصايا أو نحوها، وأجازني بالتدريس والإفتاء سنة ست وسبعين (٨٧٦ هـ)، وكانت بدايته في الطلب سنة (٨٦٥)، ولازم تقي الدِّين أحمد الشمني أربع سنين، فأخذ عنه الحديث واللغة وعلم المعاني، وهو أعظم شيوخه في اللغة، وكتب له تقريظًا على شرح ألفية ابن مالك، وكتاب جمع الجوامع.
_________
(١) التحدث بنعمة الله ص (٢٣٧) .
المقدمة / 18
وقرأ على الشيخ محمد بن سليمان بن سعد الرومي الحنفي (ت: ٨٧٩ هـ) الكافيجي -نسبة إلى كثرة اشتغاله بالكافية في النحو -مدة أربع عشرة سنة وأخذ عنه التفسير والحديث والأصلين، والنحو وسائر علوم العربية، وأجازه فيها (١) .
ولقد بين السيوطي طريقته في تنظيم أوقاته في طلب العلم حيث قال: كنت أذهب من الفجر إلى دروس البلقيني، فأحضر مجلسه إلى قرب الظهر، ثم أرجع إلى الشُّمُنيِّ فأحضر مجلسه إلى قرب العصر، هكذا ثلاثة أيام في الأسبوع: السبت، والاثنين، والخميس، كنت أحضر الأحد والثلاثاء، عند الشيخ سيف الدِّين الحنفي (ت: ٨٨١ هـ) بكرة، ومن بعد الظهر في هذين اليومين ويوم الأربعاء عند الشيخ محيي الدِّين الكافيجي (٢) .
رحلاته:
ْللعلماء في تلك العصور رحلات لأخذ إجازة من عالم، أو أخذ حديث، أو سؤالات في بعض المسائل، وكانت الرحلة العلمية لها أثرها في صقل العلماء والتقائهم بعلماء الأقطار الأخرى، ولقد أخذ الإمام السيوطي بحظه في هذا الجانب، فقد رحل إلى مكة المكرمة عام (٨٦٩ هـ)، وأخذ عن علمائها وجاور بها سنة كاملة، من منتصف جمادى الأولى إلى أن حج في نفس السنة، ولقد لقي في رحلته كبار شيوخ الرواية من علماء الحرمين أمثال العلامة قاضي المالكية محمد بن عبد القادر بن أحمد الأنصاري (ت: ٨٨٥ هـ) وكان السيوطي يجله كثيرًا (٣) . والعلامة الحافظ نجم الدين بن تقي الدين محمد بن فهد
_________
(١) حسن المحاضرة (١/٣٣٧) .
(٢) حياة جلال الدين السيوطي مع العلم من المهد إلى اللحد ص (٢٨) .
(٣) بغية الوعاة (١/١٠٤)، والتحدث بنعمة الله (٣٩-٤٠) حيث ذكر تقريظًا على شرح الألفية للسيوطي.
المقدمة / 19