ويقول إسماعيل قدري: عسى أن تصهرهم الشدة فتخلق منهم عمالقة.
فيستطرد حمادة: عايشنا الوطن مع ثورتين، وصادفنا من الآمال والإحباطات ما لا يعد ولا يحصى، وها نحن نشهد الوطن مطحونا في مأزق لم يجر لأحد في خاطر.
ويقول إسماعيل : لا أعفي أحدا من مسئوليته، ومن الخطأ أن نحصر الذنب في شخص أو شخصين.
وقدمنا أنفسنا للمحاكمة، فطال الجدل بين دفاع وهجوم، وعجز صديقنا حمادة عن الدفاع عن نفسه. ثم حدثنا صادق عن ابنته نهى فقال: يسرني أنها متدينة ولكنها مولعة بالأغاني الإفرنجية، عاشقة للتلفزيون، ورغم تفوقها الدراسي فهي لا تحب الثقافة المقروءة، ولا اهتمام لها بالشئون العامة.
فقال طاهر ضاحكا: إنها متصوفة على طريقتها الخاصة!
ونظر صادق في وجوهنا الشائخة وقال ضاحكا: حقا أصبحنا هياكل عظمية، وسيكون أتعسنا من يمتد به العمر بعد رحيل الآخرين.
أما حمادة الحلواني فكأنما اعتاد ضجره، فصبر وندرت شكواه، وكلما جرى الزمن صالح الحياة ورضي عنها، ولم يحتمل قيادة السيارة وفكر في استخدام سائق ولكن هاله الأجر الذي طالب به، فركن السيارة واستعمل التاكسي، وعاد يقول: لا قيمة اليوم لأغنياء الزمن الماضي.
بقي له من لذائذ الحياة الطعام والحشيش، وحتى الحشيش عجز عن تدخينه في الجوزة، أما القراءة فلم يعد يستمتع بها أكثر من ساعتين في اليوم، وسمع صادق صفوان يقول مرة: من الحكمة أن يفترض الكفرة منكم أنهم مخطئون ولو بنسبة 1٪ وأن يعملوا في هذا النطاق حسابا للآخرة.
ولم يمر قوله بلا أثر كما مر بطاهر عبيد، لم يكن غريبا عن الإيمان كل الغربة، فقد طاف به كما طاف بكل رأي وعقيدة، تبنى مرة الإسلام ومرة المسيحية وثالثة اليهودية؛ لذلك فكر في قول صادق باهتمام، ولما جاء رمضان قرر أن يصوم ويصلي، فعاش مسلما حوالي الأسبوع ثم ارتد أو نسي، كما نسي الذبحة، بل كدنا ننساها معه، وإن حدث وحرك أحدنا الموضوع قال: مجنون من يعذب نفسه في مثل عمرنا حرصا على الحياة!
ويشرد أحيانا ثم يقول: أي مقلب نشربه لو أن إحساسنا بالموت يستمر معنا في القبر ولو لمدة قصيرة!
Bilinmeyen sayfa