ويسأله إسماعيل قدري: ولم لا تجتهد؟ - أحب أن أقلب صفحات الكتب في مكتبة بابا وأتفرج على الصور. - ألا تحب أن تكون مثل أبيك؟ - كلا، يأخذنا - أنا وأخي - إلى المصنع، أخي يهتم بكل شيء وأنا أتثاءب.
فيسأله صادق صفوان: ماذا تريد أن تكون؟ - لا أدري.
العلاقة بينه وبين أسرته متوترة باستثناء أفكار أخته التي يحبها ويقول بحسرة: ها هي تستعد لفراقنا.
أبوه يطالبه بالاهتمام بمستقبله في المصنع، وأمه لا تكف عن لومه وأخوه يسخر من كسله، وقد مارس الصلاة فترة ثم تهرب من التزاماتها .. قال: لا يواظب على الصلاة إلا أبي.
ويسأله صادق: وماما؟ - لا تصلي .. ولا تصوم .. ماذا عن حرم رأفت باشا؟
فابتسم صادق وقال: مثل مامتك رغم طيبتها المتناهية.
ويغيب عنا شهرا كاملا في الصيف عندما تسافر الأسرة إلى رأس البر للاصطياف، إنهم أصلا من دمياط والاصطياف في رأس البر تقليد دمياطي.
ويحدثنا عن عشتهم وموج البحر، حتى يسأله إسماعيل قدري: هل حقيقي أن موج البحر يعلو كالجبال؟ - وأكثر، والأهم من ذلك أن ترى التقاء النيل بالبحر.
إنه يفتن أخيلة صبية لا يبرحون القاهرة على طول العام، حتى آل الأرملاوي يقضون عطلة قصيرة في الريف .. وحمادة عميق السمرة، يبشر نموه بقامة طويلة، رأسه كبير فيه نبل واحترام، ملامحه مقبولة ويمتاز بنظرة هادئة. وفي نهاية المرحلة الأولية وسنه تقترب من التاسعة مرض بالتيفود، وعزل في حجرة خاصة بالسراي. كنا نزور السراي ولا يسمح لنا بدخول حجرته، غاب عنا شهرا ثم رجع إلينا كالخيال، وحدثنا عن مرضه طويلا؛ كيف منع عنه الطعام دون أن تريده نفسه، وكيف عضه الجوع في فترة النقاهة وحيل بينه وبين الشبع حتى أوشك أن يفقد وعيه، وكيف كشف له المرض عن حب الجميع له. ويقول متفلسفا: أصل البلوى كلها ذبابة!
وحتى في تلك السن المبكرة تخايلت لأعيننا أهداف عن مستقبل بعيد، إلا حمادة بدا غامضا لا نعرف له هدفا. •••
Bilinmeyen sayfa