هو علي بن أحمد بن عبد الرحمن بن احمد أبو الحسين الوقشي ابن الوزير أبي جعفر الوقشي المذكور آنفا، من العلماء الفضلاء والشيوخ المعدودين، روى عنه سالم بن صالح وأبو عمرو بن سالم " وكان آية الله في الظرف وكيف لا ووالده الوزير أبو جعفر وصهره أبو الحسن ابن جبير صاحب الرحلة وشيخه في الموسيقى والتهذيب والظرف والتدريب أبو الحسن بن الحاسب شيخ هذه الطريقة، وقد رزق أبو الحسين المذكور فيها ذوقا مع صوت بديع أشهى من الكأس للخليع ".
وهو من لدات ابن سعيد المؤرخ الرحالة، وكانا يحضران في صباهما معا في مرج الخز ويقرضان الشعر ويصنعانه، ولهما قصة لطيفة مع المسن بن دويدة وكان معروفا بخفة الروح والمزاح والظرفة قد ذكرهما المقري مع شعرهما الذي قالا في وصف إوز كانت تسبح في الماء وتمرح في المرج النضير مرج الخز.
وكان ابن سعيد يختلف إلى بيت أبي الحسين الوقشي ويرتاح إلى لقائه ارتياح العليل إلى شفائه وكان يتمتع بشعره وغنائه وموسيقاه الحلو.
وكان أبو الحسين الوقشي أديبًا ومغنيا مطربا في نفس الوقت ومن شعره " الطويل ":
حننت إلى صوت النواعير سحرة ... وأضحى فؤادي لا يقر ولا يهدى
وفاضت دموعى مثل فيض دموعها ... أطارحها تلك الصبابة والوجدا
وزاد غرمي حين أكثر عاذلى ... فقلت له أقصر ولا تقدح الزندا
أهيم بهم في كل واد صبابة ... وأزداد مع طول المعاد لهم ودا
مولد أبى الوليد الوقشي
إن المصادر التي وصلت إلينا، والتي استطعنا أن نستفيد منها في ترجمة الوقشي، لا تصرح بالمكان الذي ولد به، فقد ذكر ابن بشكوال أنه من أهل طليطلة، إلا أن قوله هذا لا يفيد في شيء عن مولده، فقد يكون أنه كان قد هاجر إليها، واستوطنها وأقام بها، فوهم ابن بشكوال أنه طليطلى وليس كذلك وإنما مولد الوقشي ومسقط رأسه هي مدينة وقش إلى كانت دار الوقشيين الكنانيين الفضلاء الأعيان منذ البداية، ولم تزل دارهم إلى الأجيال التي نشأت بعد أبى الوليد الوقشي رحمة الله. ومما يذهب بنا إلى هذا الرأى أن: المصادر وكتب التاريخ والتراجم والجغرافية والبلدان قد نصت أكثرها على أن أبا الوليد الوقشي أصله من مدينة وقش.
أسرة الوقشي لم تزل تسكن وقش حتى موته، وكانوا يعرفون بهذه النسبة كابن أخيه الوزير أبى جعفر، وابنه أبى الحسين، اللذين قد مر ذكرهما. ثم أن أبا الوليد لم يذكر كطليطلى إلا قليلا نادرا، وإنما كان يعرف دلئما بالوقشي هذه النسبة محبوبة إليه، لأن وقش هي دار آبائه، ومسقط رأسه، بها ولد، ونشأ، وترعرع، ثم خرج منها طالبا للعلم.
وأيضا استقضاؤه بمدينة طلبيرة، وهي أقرب إلى وقش يدل على أنه كان يحب أن يتولى هذا المنصب الجليل في مكان قريب من مسقط رأسه، ومسكن أسرته حتى يتمكن من زيارتهم ولقائه مت أراد، وهي سنة بشرية، لأن كل إنسان يحب العمل في مكان قريب من أهبه، وأسرته.
وأما تاريخ مولده، فان المصادر تكاد تجمع على أنه ولد في مستهل القرن الخامس الهجري، سنة ثمان وأربعمائة، وهو الزمن الذي شق فيه عصا الجماعة وافترقت الأمة، وانبعثت الفتن، وانقسمت الأندلس الإسلامية إلى دويلات عرف أصحابها بملوك الطوائف.
حياته
حياة الوقشي، خاصة حياته الابتدائية، لا تزال سرا غامضا، لم يجله الباحثون ولم يوضحه المؤرخون، والمعلومات، التي حصلت لدينا عن حياته، قليلة ضئيلة جدا وأصحاب التراجم الذين ترجموا وكتبوا عن حياته من علماء الشرق والغرب، لم يتغلغل أحد منهم في التنقيب، ولم يتقدم في التحقيق، وإنما جرى المتأخر منهم مجرى المقدم من غير تمحيص ولا بحث. وأجل ما يمكننا استخلاصه من كلام القوم، المشارقة والمغاربة، عن حياة الوقشي هو أننا نراه يتنقل من بلد إلى آخر، ويتجول في البلاد الأندلسية لأغراض مختلفة.
وليس في مقدرة باحث أن يحدد الوقت، ويضبط التاريخ لهذه الأحداث إلا أننا نستطيع أن تقسم حياته إلى أربعة أطوار.
الطور الأول
وهو عهد الطفولة، ولا نعرف شيئا عن هذا الطور من أطوار حياته، إذ لم يحدثنا التاريخ عن أبويه، ولن تعلافنا المصادر بيئته التي نشأ فيها وتأثر بها.
الطور الثاني
1 / 8