واجتمع أبو الوليد الوقشي وأبو مروان عبد الملك بن سراج القرطبي وكانا فريدي عصرهما حفظا وتقدما، فتعارفا، وتساءلا، ثم بادروا أبو الوليد بالسؤال، فقال لابن سراج كيق يكون قول القائل. " الطويل ":
ولو أن ما بي الحصى فعل الحصى ... وبالريح لم يسمع لهم هبوب
ما ينبغي أن يكون مكان " فعل الحصى "؟ فقال أبو مروان ابن سراج: " فلق الحصى " فقال: وهمت إنما يكون قلق ليكون مطابقا لقوله " لم يسمع لهن هبوب "، يريد أن ما به يحرك ماشانه السكون، ويسكن ما شأنه الحركة.
ثم قال ابن سراج للوقشي، ما يريد الشاعر بقوله: " الطويل "
وراكعة في ظل غصن منوطة ... بلؤلؤة نيطت بمنقار طائر؟
وكان اجتماعهما في مسجد. فأقيمت الصلوة أثر فراغ اين سراج من إنشاد البيت فلما انقضت الصلوة، قال له الوقشي: ألغز الشاعر باسم أحمد، فالراكعة الحاء والعصن كناية عن اللف، واللؤلؤة الميم، ومنقار الطائر الدال فقال له ابن سراج: ينبغي أن تعيد الصلوة لشغل خاطرك بهذا اللغز، فقال له الوقشي، لا حاجة إلى إعادة الصلوة، لأننى كنت قد فككته بين الإقامة وتكبيرة الإحرام.
الفقيه القاضي
وكثيرا ما يذكره المصادر التاريخية. بلقب فقيه القاضي، وتجعله من الراسخين في العلوم الدينية، من الحديث، والفقه، والفرائض، والشروط وأصول الاعتقاد ولا غزو فان الوقشي رحمة الله كان من أعلام الفقه المالكى، وكان ينتصر لمالك ويتعصب لمذهبه، وبذلك اكتسب منصب القضاء مرتين، مرة في طلبيرة لملوك بني ذى النون، وأخرى للشعب البلنسى في خلال استيلاء العدو على بلدهم، بلنسية. وكان رحمة الله عارفا بأصول الفقه والقضاء، ثاقب الذهن في تمييز الصواب، وصاحب النظر الناقد للمذاهب الفقيهة، كما أنه كان واقفا على كثير من فتاوى فقهاء الأمصار، نافذا في أصول الديانات وعلم الفرائض.
وقد رأيناه في خلال تحقيفنا لهذا السفر يتناول البحوث الفقيهة التي ألم بها المبرد في الكامل، فمن ذلك ما ذكره المبرد من قول الفقهاء في تكفير الحجاج. فان الوقشي رحمة الله، عندما يتكلم على هذا الموضوع من الكامل، يثور ثورة الفقيه المفتى المتشدد، والقاضي الغضبان المتحمس، ويصول على الحجاج، ويرميه بفتاوى القوم الخرى في تكفيره حتى يقول في نهاية كلامه " لعن الله قائل هذا فلقد كفر ".
المحدث
وكذلك فان للوقشي عناية كبيرة بالحديث النبوي وعلومه، وأسماء نقلته، وأنساب رواته، وتراجمهم، وقد ألف في هذا الموضوع، واختصر مؤلفات المشارقة، وهذبها، ككتاب تهذيب الكنى وله ردود، وتنبيهات على بعض المؤلفين. إلا أن مؤلفاته في هذا الموضوع، قد طارت بها العنقاء بها الأيام، فلم يبق منها إلا أسماؤها، وذكرها في كتب التراجم والتاريخ.
وقد رايناه، في نكته التي كتبها على الكامل، يتناول معظم الأحاديث التي أوردها المبرد، ويعطيها عناية خاصة واهتماما كبيرا، فيتكلم عن أسانيدها، وطرق روايتها، واختلاف ألفاظها، وكلماتها، كحديث ذي الثدى مثلا، الذي أوردها المبرد في باب أخبار الخوارج من الكامل، فان الوفشي ﵀ يلخص جميع الأحاديث والروايات التي جاء فيها ذكر الخوارج، ويشرحها ويتكلم عن طرق أسانيدها ومراتبها صحة وضعفا وردا وقبولا.
وقد ذكره الضبي وابن بشكوال كحافظ للسنن النبوية، وأسماء نقلة الأخبار والحاديث.
المؤرخ النسابة
وللوقشي مجال في علم الأنساب والتاريخ، ومجهوداته في هذا الميدان قد اعترف بها العلماء من معاصريه، ومن الأجيال المتأخرة، وكانت لديه المعلومات التاريخية ذات قيمة ومكانة كبيرة، وكان غاية في الضبط والتقييد والاتقان والمعرفة بأنساب الأشراف من الخلفاء والأمراء والعلماء والأدباء والشعراء، وله ردود وتنبيهات على كبار أهل التصانيف التاريخية وكتب الأنساب، ولقد أصاب القاضي صاعد بن أحمد حيث قال. " ولا يفضله عالم بالأنساب والأخبار والسير ".
وكذلك فقد رأيناه في خلال بحثنا هذا أنه يعطي عناية خاصة واهتماما كبيرا لأنساب الشعراء والأشخاص الآخرين المذكورين في الكامل، ويترجم لهم، كما رأيناه فيما كتب على السيرة النبوية لابن هشام، واستفادة منه أبو القاسم السهيلي في كتابه الخالد " الروض الأنف ".
1 / 11