فلما كان الصبح، ارتجف السهل والجبل، ودوى المشرقان والمغربان بجلبة الجند، وصار كل المعسكر كأنه خلية صخابة من النحل، تطن وتطن، وصارت الساحة الحمراء كأنها سماء معتكرة، لرعدها هزيم ولريحها هزيز، ولبرقها خطف يذهب سناه بالأبصار.
وشرعت الرماح، وأرهفت السيوف، وحملقت المنايا كأنها الأغربة السود ترنق فوق الفرائس، وتدوم فوق الجيف!
ولم يكن أجاممنون قد انخدع بالحلم الكاذب، فشدهه أن يرى إلى استعداد الجيش ونفرته نفرة واحدة، ولم يخدعه كذلك هذا العدد العديد من الجنود طالما أن ليس فيهم أخيل وشياطينه المقاتلة، الميرميدون!
فأوجس في نفسه خيفة، وهاله أن يكون في الأمر سر، ووقر في قلبه أن غضبة أخيل لا بد أن تغضب السماء، واستقر في نفسه أن هذا الجيش العرمرم سائر إلى الهزيمة المؤكدة، ووارد موارد الردى!
وهكذا جبن القائد العام، وندم على أن عقد المجلس الحربي!
فما إن متع النهار، ونظر إلى الجند فرآهم يغمرون الأودية، ويربضون في مشارف الجبال، ورأى إلى طروادة المنيعة تهزأ بكواكب الهيلانيين وجيوشهم، حتى نهض فوق يفاع من الأرض، وهتف بجنوده يقول:
يا أبناء هيلاس! يا بني قومي!
لست أدري إلام تمتد بنا هذه الحرب، وحتام ننفى هنا في هذا المكان السحيق من الأرض!
تسعة أعوام يا قوم، ونحن هنا بمعزل عن العالم؛ ننام في الخيام، ونأوي إلى السفائن، تلفحنا الرياح، ويثور بنا البحر، وتتخطفنا المنايا!
وعبثا ينتظرنا أبناؤنا ونساؤنا في هيلاس العزيزة! ومن يدري؟ فقد يكون بعض أبنائنا أو آبائنا قد انتقلوا إلى هيدز، ونحن هنا نتصارع مع الموت من أجل امرأة آبقة لا عرض لها ولا شرف!
Bilinmeyen sayfa