قلت: ما هذه المكعبات الخشبية الملونة المصورة؟
قال (وكان ورائي مشتغلا بإخراج الفناجين والأكواب من خزانة خشبية صغيرة في ركن غرفته): تلك لعبة من لعب الأطفال اشتريتها لألهو بها، إنها مكعبات ترص فتكون صورا لا نهاية لعددها.
ودنا مني «الأحدب» وأشار بأصبعه إلى اللعبة وقد رص ما يقرب من نصفها، فإذا هي صورة حصان عليه راكبه، ولم يبق من الصورة إلا أرجل الحصان.
قلت: أحسبك كنت في سبيل إتمام الحصان بأرجله؟
قال: هذا ما حرت فيه، حاولت عبثا منذ ساعة الغداء. فلم تستقم للحصان أرجل، حتى لقد مللت فوقفت أنظر من نافذتي حين رأيتك قادما.
قلت: وما فائدة الحصان بغير أرجله؟ إن راكبه المسكين سيظل مشلول الحركة حتى تتم لحصانه الأرجل فيسير.
هنا وضع «الأحدب» قدحين كانا في يده، وضعهما على ظهر مكتبه، وجلس، إنه ساعتئذ هو نفسه «الأحدب» الذي رأيته هناك على الجدار، وهو نفسه «الأحدب» الذي رأيته في الطريق، وليس هو «الأحدب» الذي تلقاني بالبشر والترحاب؛ لقد عبس وجهه وتجهم، ثم استرخى استرخاء من فقد القدرة على الوقوف والحركة، وابتسم لكنها ابتسامة غير التي لقيني بها؛ فهي ابتسامة صاحب النفس المريضة المعبأة بالهموم؛ ألا ما أسرع التغير في سماء هذا الرجل؛ صفو في لحظة وغمام كثيف في اللحظة التي تليها.
قال: لعل ذلك بعينه هو ما أعجزني عن إقامة الحصان على قوائمه، وإذن فما أشبه جد حياتي بلعبها! كأني بك يا صديقي قد أتيتني لتستطلع شيئا من أمري؛ فهذا هو أمري قد انكشف لك في لحظة واحدة؛ ففي هذا الحصان المقعد تتلخص قصة حياتي، ولكل امرئ جواده، ومن الجياد ما يستقيم على قوائمه فيسرع الجري، ومنها ما تعوزه الأرجل فيقبع؛ وجواده كسيح، فجسمه هنا وأرجله هناك، لكن بصري يقصر دون أن يلتمس للأرجل مكانها من البدن، وليس النقص في الأجزاء ولكن النقص في المهارة التي تقيم بناءها، إن الذي يرى أحرف الهجاء أمامه ولا يستطيع أن ينشئ منها قصة أو قصيدة يكون العجز فيه ولا يكون العيب في الأحرف.
قلت: دع عنك الآن هذا الحصان ولعبته، وانظر ماذا أردت أن تضع في هذين القدحين من شراب ...
لكنني صممت أن أستطلع قصة «الأحدب» لعلي أرد هذا الحدب الذي تورم به ظهره إلى عناصره.
Bilinmeyen sayfa