أنيقا، وبستانا من النور حاليا
أجد لنا طيب المكان وحسنه
منى، فتمنينا فكنت الأمانيا
ولكنى أنظر إلى هذه التى هى منى النفس، وروح الحياة وريحانها فأرى بأول الظن «آخر الأمر من وراء المغيب» فتبدو لى ملفوفا عليها كفن وقد شاعت الصفرة فى محياها المتوهج، وآضت عينها التى تنفث السحر كقطعة من زجاج، وشاع فيها البلى علوا وسفلا، وصارت غضارتها ونضارتها صديدا سائلا تسد من نتنه الأنوف.
وأرد نفسى إلى عينى وأترفق بها وأنا أتصور مآلها، فأراها شجرة يذوى نورها، وتذهب زهرتها ويجف ورقها ويسقط عنها، فتتعرى، ثم يجىء الحطاب ويهوى على أصلها بالفأس.. وكانت هنا شجرة ثم غابت.. هذا كل شىء.
ويحضرنى بيت للخيام مما ترجمته عنه:
وأين، لا أين، بلبل غرد
كان يغنى على الغصون لنا؟
فأديره فى نفسى وأدهوره فى شدقى، بلا صوت، وأظل مع ذلك أتبسم للجالسين وأحادثهم وأمازحهم وأجد معهم وهم لا يدرون أنى قبر مظلم، وأنى أستر نفسى وأحجبها عنهم بأزاهير الضحك المتكلف، أى نعم، فما أعرفننى ضحكت ضحكة من القلب.. ضحكة سرور حقيقى عميق.. ولكن مالهم هم أقول لهم ذلك، وأغش به نفوسهم وأفسد نعيمهم وأسود الدنيا فى عيونهم؟
ويلقانى الشبان، ويسألوننى، ويرهفون السمع لما أقول، وفى ظنهم أنى أحكم منهم وأعلم، وإنى لكذاك ولكنها حكمة خير منها الطيش وعلم أفضل منه الجهل، فأقول لنفسى. يا هذا. إنك مسخ كريه ، وإن كان هؤلاء الشبان لا يعلمون، فلا تنزع القناع، ولا تكشف لهم عن الخراب والقبح اللذين فى نفسك، ولا تدع عيونهم تأخذ الديدان التى تمرح فى جوفك وترفق بهم فإن حسبهم ما لابد أن تصدمهم به الحياة عاجلا أو آجلا بل آجلا - كما أرجو لهم وأحب - وإنى لأتمنى لهم السلامة والنجاة، ودوام الاغترار بالعيش، وإن قلبى ليعصره عاصر حين أتخيلهم وقد فتحوا عيونهم على حقائق أخرى غير التى يعرفونها أو يأملونها، وأروح أرسم لهم صورة للحياة الزاهية وأضع نفسى فى موضعهم وأتكلم بمثل لسانهم ويكلفنى هذا شططا، فليس أقسى من ثنى الأعصاب وإكراهها على حالة غير حالتها ويخيل إلى وأنا أبذل هذا الجهد من نفسى أنى أوقدت نارا تحت أعصابى لتحمى، وأنى أدقها بمطرقة لتلين وتتخذ الصورة التى أريدها ويؤسفنى أنى لا أجد ما آمرهما به بعد ذلك لتخمد الجذوة وتبترد، ويذهب عنها الحر.
Bilinmeyen sayfa