Yunan Felsefesinin Hikayesi
قصة الفلسفة اليونانية
Türler
ترى من هذا كله أن العلوم على اختلافها تفرض وجود الكون، وتسلم ببعض الأسس تتخذها مبدأ لأبحاثها، فأما الفلسفة فتنكر هذا التسليم أشد إنكار، وتصر على أن تغوص إلى أبعد الأغوار، حتى تصل إلى جوهر الوجود، وهي لا تجيز لنفسها أن تركن إلى حكم من الأحكام بالغا ما بلغ من القوة والذيوع، إلا إذا أيده الدليل القاطع، بل هي لا تقف عند هذا، ولكنها تسائل عن سبب الوجود وخلقه، وعن الأصل الذي عنه انبعثت الكائنات جميعا، أهو عنصر واحد أم أكثر؟ أهو مادة أم روح أم شيء يخالف المادة والروح معا؟ وإن كان مادة فكيف انبثق منه الروح، وإن كان روحا فكيف صدرت عنه المادة؟ هو خير أم شر؟ وإن كان خيرا فكيف أنشأ عنه ما نرى في العالم من شرور؟
وخلاصة القول أن الفلسفة تختلف عن العلم في أنها تنظر إلى العالم كله كوحدة مترابطة متماسكة، تكون بأسرها موضوع بحثها، أي إنها لا تختص بالدراسة جانبا من الكون دون جانب، كذلك لا ترضى الفلسفة أن تسلم بصحة مبدأ أو فكرة إلا إذا ثبتت لديها ثبوتا لا يدع مجالا للريب والشك، فهاتان صفتان تستطيع بهما أن تفرق بين الفلسفة والعلم.
ولا بأس من أن نشير إلى صفة ثالثة هي من أخص خصائص الفلسفة، وأعني بها «التجريد» أي إنها تحاول ما استطاعت ألا تربط الفكرة المعينة بجسم من الأجسام، بل تريد أن تصل إلى الأفكار الخالصة المجردة، وليس هذا هينا ولا يسيرا عند الكثرة الغالبة من أفراد البشر؛ لأن الإنسان مفطور بطبيعته أن يأخذ من العالم ما يصله عن طريق الحواس، ثم لا يكاد يصدق بعد ذلك شيئا، وحتى لو اضطر اضطرارا إلى التفكير فيما لا يحس بإحدى الحواس، فإنه يحاول أن يصبغه بالصبغة المادية التي يفهمها عقله، فتراه مثلا يصف الله تعالى بالنور؛ لكي يقرب إلى ذهنه صورة مجردة لا يقوى على فهمها في غير ثوبها المادي، وبديهي أن الله تعالى ليس نورا - بمعنى الكلمة المادي - كما أنه ليس حرارة أو كهرباء.
ولا تألو الفلسفة جهدا في تحطيم هذه القيود، والارتفاع بالعقل البشري إلى مستوى يستطيع معه أن يسيغ الأفكار المجرد دون أن يلجأ إلى المادة يستعين بها على تصوير ما يريد. (5) أين بدأت الفلسفة
لعلك الآن في ضوء هذا التحليل الذي تقدمنا به إليك، تدرك معنا أن هذا الضرب من التفكير، الذي يحاول أن يوحد بين ظواهر الكون المتنافرة، والذي يرفض التسليم الساذج رفضا تاما، والذي يسمو بالعقل فوق المستوى المادي من حيث أسلوب التفكير وصور الفكر، نقول لعلك تذهب إلى ما ذهبنا إليه، من أن هذا التفكير الفلسفي الصحيح، لم ينشأ ولم ينم إلا عند شعب واحد دون الشعوب القديمة جميعا: هم اليونان القدماء.
إن كانت الفلسفة - كما قال بحق أفلاطون - تبنى على المعارف العلمية الصحيحة، مهما تكن قليلة ضئيلة، فلا شك في أن بلاد اليونان كانت مهدها.
فقد عرفت الصين شيئا كثيرا عن مبادئ الأخلاق العلمية التي يستعين بها الناس على معرفة طرق العيش وفن الحياة، ولكنها لم تنظر إلى ظواهر الكون نظرة علمية باحثة، وسادت في فارس أفكار عن الخير والشر، ولكنها لم تتجاوز الرغبة في انتصار الخير على الشر فيما نشب بينهما من عراك، ولم تكن ثم دراسة عقلية تسير بالفكر نحو العلم الصحيح، وامتلأت الهند بالأساطير الدينية ولم تتناول بالدرس الدقيق ظواهر الكون.
نعم كان في مصر طائفة كبيرة من العقائد تدور حول النفس وما يطرأ على الحياة بعد الموت، ولكن لم يثبت أن كان لديها من العلوم الإيجابية النظرية شيء كثير، ولو عرف المصريون كثيرا من علوم الرياضة لما رأينا في كتب فيثاغورس محاولات أولية للهندسة، مع العلم بأن عهده في التاريخ جاء بعد اتصال اليونان بالمصريين اتصالا وثيقا واستمدادهم من المصريين بعض معارفهم وحضارتهم، فليست القواعد العملية التي استعملها المصريون في أغراضهم كقياس الأرض وبناء الأهرام، هي العلم الذي قصده كوبرنيكس، وجاليلو، وكبلر، ونيوتن.
لم تستمد الفلسفة اليونانية فلسفتها من تلك الأمم القديمة، ولكن خلقها اليونان خلقا، وأنشأوها إنشاء، فهي وليدتهم وربيبتهم، ويستطيع الباحث أن يرجع بالفلسفة خطوة بعد خطوة حتى يصل إلى مهدها في بلاد اليونان دون أن يشعر في خلال البحث بحلقة مفقودة أو غامضة.
ونحن إذا ذكرنا بلاد اليونان في هذا المقام، لا نقصر هذا الاسم على هذه البلاد التي تسمى به اليوم فحسب، إنما نضيف إليها المستعمرات اليونانية - وهي في الواقع مهد الفلسفة - فقد بسط اليونان نفوذهم ونشروا سلطانهم في آسيا الصغرى وجزيرة صقلية وجنوبي إيطاليا وجزء من شمال أفريقيا. في تلك المستعمرات ولدت الفلسفة وشبت، قبل أن تنتقل إلى أرض اليونان نفسها، حيث وصلت على أيدي الفحول الثلاثة: سقراط وأفلاطون وأرسطو، إلى درجة عالية من النضوج.
Bilinmeyen sayfa