Modern Felsefenin Hikayesi
قصة الفلسفة الحديثة
Türler
ويتبع هذا مميز ثالث، وهو أن هذه الوحدة في الفكر إنما هي «وحدة بين أضداد» في الحياة العادية، وبالنسبة للعقل العادي أعني أن العقل العادي يتوهم أن أجزاء الكل متناقضة متعارضة لا اتساق بينها ولا انسجام، وهو يقع في هذا الخطأ؛ لأنه يرى الجزء فيحسبه كلا في حد ذاته. ويقول «هجل»: إن الناس قد درجوا على أن يروا أجزاء الكل منفصلة، كل جزء على حدة، دون أن يربطوا بينها برباط الوحدة الشاملة لها جميعا، والواقع أنه ليس ثمة جزء مستقل بذاته، بل كل جزء لا بد أن يتضمن في نفسه شيئا آخر، والنظرية الجزئية دائما باطلة، ولا يمكن أن يتخلص الإنسان مما قد يراه بين الأشياء من تناقض إلا إذا علا بنظره إلى مجموعة الحقيقة ككل واحد مرتبط الأجزاء متصل الحلقات، ولكننا لا نستطيع أن نسمو إلى الحقيقة في كليتها تلك إلا إذا علمنا بالجانبين معا، الجزء والكل، أما أن نغالي في التمسك بإحدى الطرفين على حساب الآخر، كأن تقول إن الجزء وحده هو الموجود الحقيقي (أي إن الفرد حقيقة مستقلة في حد ذاته دون أن تربطه بسائر الأفراد صلة ضرورية، بحيث تجعل وجوده لا معنى له إلا كجزء من كل) نقول إذا نحن غلونا فزعمنا أن الوجود الحقيقي إنما يكون للجزء وحده دون الكل، أو أن الكل وحده هو موجود ولا أفراد هناك، فإن قولنا عندئذ يحمل عنصر هدمه في نفسه، فليس ينبغي أن نقول إن الذات وحدها أو اللاذات وحدها هي التي تتمتع بالوجود دون زميلتها، فكلاهما ضروري لتكوين الحقيقة العليا، فلا بد في رأي «هجل» من الصراع بين أضداد، ثم اتحادها كي ندرك الحقيقية المطلقة؛ إذ المطلق هو عبارة عن الانسجام بين الأضداد.
هكذا يريد «هجل» أن يتقبل الأطراف المتناقضة فيجمعها في وحدة شاملة، وعنده أن الأساس الأول للوصول إلى الحقيقة هو الاعتراف باتحاد الأضداد وانسجامها، زاعما أن كل إثبات يتضمن نفيا، وكل نفي يتضمن إثباتا ... ذلك هو قلب فلسفة «هجل» وصميمها، وهو يطبق قانونه هذا على كل موضوع بغير استثناء، ولو سلمنا به معه لانقلبت نظرتنا للحياة رأسا على عقب، فقانون التناقض الذي يقول به المنطق الشكلي القديم، ذلك القانون الذي يقرر أن الشيء يستحيل أن يكون وألا يكون في آن واحد، يجب عليه الآن أن يزول من أجل حقيقة «هجل» العليا التي تنسجم فيها المتناقضات، والتي تذهب إلى أن كل شيء يكون موجودا وغير موجود، فلا حقيقة إلا لمجموعة الأجزاء متحدة في كل، ولا بد لكل جزء من الاتصال بذلك الكل لكي يكتسب صحته؛ لأن الشيء إذا اعتزل وانفرد ضاعت حقيقته، وكل شيء مرحلة - مرحلة زائلة فانية - توصل إلى غيره.
يقول «هجل»: إن الفكر في عمله يجتاز خطوات ثلاثا، فهو يبدأ بذاتية مجردة، أعني بإدراكه لذاته المفردة، ثم ينتقل إلى مجال يصادف فيه ما يناقضه ويعارضه، ثم يخطو بعد ذلك إلى الوحدة التي تضمه، وتضم معه أضداده التي مر بها في مرحلته الثانية. وليست تلك الحركة الثلاثية قاصرة على الفكر، بل إنها تتناول العالم بأسره، وكل شيء يؤيد صحة هذا تؤيده الطبيعة، ويؤيده التاريخ والفلسفة ... إن نجم النبات الضئيل يحمل في باطنه الدوحة العظيمة، وهذه الدوحة تنسخ ذلك النجم وتثبته في آن واحد. وإن الطفل ليتضمن الرجل، وهذا ينفي ويؤيد الطفل في وقت واحد ... وإن التاريخ ليشهد كذلك بصحة هذا القانون بصورة أوسع، فالمدنية تتقدم بفعل ورد فعل بين النزعات المتضادة، فعصور السلطة يتبعها عصور إباحية وفوضى، ومن اتحاد الاثنين تنشأ مرحلة سامية من الحرية الدستورية.
إذن فالكون عند «هجل» عملية نمو وتقدم، هو عملية يتجلى بها الله ويظهر، ففي كل حركة ترى ذلك «المطلق» كامنا لا يزول، لا كعنصر مستقل وحده، بل كروح سارية في كل شيء لتكشف عن نفسها. وليس تقدم الفكر إلا ظهورا بالفعل لما كان موجودا بالقوة، فالله يكشف عن نفسه في الفكرة المنطقية، ويتجلى في الطبيعة والعقل، ولكن إذا كان الفكر يجتاز في تقدمه تلك المراحل الثلاث فليس يدرك نفسه بدرجات متساوية في المراحل المختلفة، ولا يمكن للإنسان بغير النظرة الفلسفية أن يرى الله متجليا أولا في المرحلة السابقة للوجود، أي مرحلة الكائن الخاص، وثانيا في العالم الطبيعي بأن تحولت قواه إلى مادة ليظهر هو في صور الحياة المادية، وثالثا وأخيرا في العالم الروحي ممثلا في روح الفرد، وفي نظام المجتمع، وفيما يبدعه الفن والدين والفلسفة من آيات.
فلسفة «هجل» مثالية وواقعية في آن واحد؛ لأنها وإن تكن تعلن أن الفكر أسبق في الوجود، بل تعلن أن الفكر في حقيقة الأمر هو كل شيء، إلا أنها تعترف بأن هذا الفكر قد وجد نفسه في عالم من الحقائق الواقعة التي لا يكون لها معنى لو فصلناها عن الفكر، فليست الطبيعة عند «هجل» جسما صلبا يحدد الفكر ويعارضه. كما كانت عند «فخته»، كلا ولا هي كما رآها «شلنج» تسير موازية للعقل؛ لأنها والمطلق توأمان. نعم إن الطبيعة والعقل قد تفرعا عن أصل واحد، ولكنهما ليسا فرعين متساويين قد انبثقا من جذع بعينه، إذ قد نشأت «الفكرة» أولا، ثم نشأ من الفكرة العالم الطبيعي والفكرة والطبيعة معا يكونان العالم الروحي ... فأنت ترى الفكر أساسا لكل حقيقة في الوجود، سواء أكانت تلك الحقيقة طبيعية أم عقلية، ولكنه فكر بالقوة أي أن الفكر يسري في كل جزء من الكون، ولكنه يكون في صور الوجود الدنيا فكرا بالقوة، ثم يصبح إدراكا، أي فكرا بالفعل في الكائنات العليا. ومعنى ذلك بعبارة أخرى أن الفكر هو أول المراحل وآخرها معا، يبدأ الكون بالفكر (بالقوة) وينتهي بالفكر (بالفعل).
وعمل الفلسفة هو أن تتبع الفكر في تطوره هذا وانتقاله من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل، وأن تعين في إدراك الإنسان تلك المراحل التي سلكها «المنطق» أو إن شئت فقل سلكتها الحقيقة، أو إن أردت عبارة أوضح فقل «الله». وهذه المراحل عند «هجل» ثلاث: إثبات الحقيقة لنفسها أولا، ثم تباينها ثانيا، ثم انسجامها ثالثا، ولهذا يجب أن تعين الفلسفة في إدراكنا تلك الخطوات الضرورية التي اجتازها الفكر في سيره وتقدمه، وهذا ما بنى «هجل» فلسفته عليه وعني ببيانه وشرحه.
وكما أن العقل المطلق يتبع في سيره هذه الخطوات الثلاث، فيبدأ فكرة مجردة غاية ما يكون التجريد، ثم تتقدم الفكرة فتجسد نفسها في الطبيعة؛ لكي تبرز وتتجلى، ثم تعود إلى نفسها ثانيا في الروح، كذلك يلزم أن تقع الفلسفة في ثلاثة أقسام رئيسية: (1)
المنطق الذي يعرض صور الفكر المجردة. (2)
فلسفة الطبيعة التي تبسط صور العالم الطبيعي الخارجي الذي تجسد فيه العقل؛ لكي يصير حقيقة محسة. (3)
فلسفة العقل أو الروح التي تعالج المراحل التي يجتازها الفكر من أبسط الصور الفيزيقية إلى الإدراك الكامل، ثم إلى اتحاد العقل والطبيعة كما يظهر في الفن والدين والفلسفة.
Bilinmeyen sayfa