Modern Felsefenin Hikayesi

Zeki Necip Mahmud d. 1414 AH
43

Modern Felsefenin Hikayesi

قصة الفلسفة الحديثة

Türler

بدأ سبينوزا البحث بأن اتخذ السعادة غرضا للأخلاق، وعرف السعادة بأنها وجود اللذة وانتفاء الألم، ولكن اللذة والألم نسبيان وليسا مطلقين، بل ليست اللذة والألم حالتين معينتين، ولكنهما حالتا انتقال «فاللذة هي انتقال الإنسان من حالة كمال أدنى إلى حالة أعظم كمالا»، «والألم هو انتقال الإنسان من حالة كمال أعظم إلى أخرى أقل كمالا.» وأنا أقول: إن اللذة انتقال؛ لأن اللذة ليست الكمال ذاته، فإذا ولد إنسان كاملا ما شعر بعاطفة اللذة، ونقيض هذا يزيد الأمر وضوحا، فالعواطف والمشاعر هي في حقيقة أمرها تحرك وانتقال نحو الكمال والقوة، أو منهما فنازلا.

5

يقول سبينوزا: «أنا أفهم من العاطفة

emotion

أوضاع الجسد التي تزيد فيه أو تنقص منه قوة العمل، والتي تعاون أو تعطل هذه القوة، وأفهم منها في الوقت نفسه الأفكار والتصورات التي تصحب تلك الأوضاع.» فالعاطفة أو الشعور لا يكون خيرا أو شرا في نفسه، ولكن بمقدار ما ينقص من قوتنا أو يزيد، وإني لأقصد معنى واحدا من لفظتي القوة والفضيلة، إذ الفضيلة عندي إنما هي قوة العمل، وإذن فهي ضرب من القوة «فكلما استطاع الإنسان أن يحتفظ ببقائه، وأن يبحث عما ينفعه كان قسطه من الفضيلة أعظم.» ويطلب «سبينوزا» من الإنسان أن يضحي بنفسه من أجل غيره، بل الأنانية عنده نتيجة لازمة للغريزة العليا. غريزة الاحتفاظ بالذات «ولا يمكن لإنسان أن يترك شيئا يعلم أنه خير له إلا إذا كان يؤمل خيرا أكبر منه.» وإنه لواجب على الإنسان في رأيه أن يحب نفسه، وأن يلتمس ما ينفعه، وأن يبحث عما ينتقل به إلى حالة أكمل من حالته، ولا خطر من حب الإنسان لنفسه ما دام العقل لا يطلب شيئا يعارض سير الطبيعة.

ولا يؤمن «سبينوزا» بقيمة التواضع، ويرى أن التواضع من جانب القوي لا يكون إلا خداعا يضلل به الناس، وهو من جانب الضعيف خجل، وهو في كلتا الحالتين يستتبع نقصا أو فقدانا للقوة، والفضائل عند سبينوزا ليست إلا ضروبا من المقدرة، ولكن سبينوزا حينما تصدى لمقاومة التواضع لم يفته أن يلاحظ أنه نادر بين الناس، بل يكاد ينعدم. وإنك لترى الفلاسفة الذين يكتبون الرسائل في تمجيد التواضع يزينون صدور كتبهم بأسمائهم رغبة منهم في الإعلان عن أنفسهم. ويعجب سبينوزا من كثرة ما يأكل قلوب الناس من حقد وحسد وكراهية، ولا يرى علاجا لهذه الأمراض التي تفت في عضد المجتمع إلا التخلص من تلك النزعات الخبيثة وأشباهها، وهو يعتقد أن ذلك هين ميسور، فالكراهية مثلا يمكن قتلها بالحب؛ لأنك لو رددت مقت الحقود بعاطفة الحب أزلت من صدر عدوك مقته على الفور، أما إن بادلته كرها بكره، فإنك بذلك توسع هوة الخلاف، وتغذي ما بينكما من بغض ونفور، «أما الذي يحس في نفسه أنه محبوب ممن يكرهه، فإنه يصبح فريسة للعواطف المتضاربة: عواطف الحب والبغض، والحب يميل أن ينتج حبا، فتتحلل كراهيته وتفقد قوتها، وإن كرهك رجلا لاعتراف منك بخوفك منه وضعة منزلتك عنه؛ لأن الإنسان لا يمقت عدوا إن كان عن ثقة أنه يستطيع أن يتغلب عليه.»

ولكن على الرغم من هذه النزعة المسيحية نحو الحب، فإن «أخلاق» سبينوزا إغريقية الصبغة بوجه عام ما دامت «محاولة الفهم هي أساس الفضيلة الأول والأوحد.» لأنه بالفكر وحده يمكن للإنسان أن يرى موقفه من جميع نواحيه، أما إذا تحكمت فيه العواطف، فإنه لا يرى من الموقف إلا جانبا واحدا، وبذلك يصل إلى نتائج باطلة؛ إذ العاطفة عبارة عن «فكرة ناقصة»، ولكن إن كانت عواطف الإنسان الغريزية لا تصلح أن تتخذ دليلا يهتدى بهديه - لأن الغرائز بطبعها تسعى كل منها لإشباع نفسها غير آبهة لصالح الشخصية في مجموعها - فيجب أن تستخدم كقوة دافعة يسيرها العقل كيف شاء، فالعاطفة عمياء حتى يهديها العقل، كما أن العقل ميت إلى أن تنفخ فيه العاطفة روح الحياة. فبدل أن يسلط الإنسان عقله على عواطفه ليكونا ضدين متعارضين - وكثيرا ما تظفر العواطف في مثل هذا المضمار؛ لأنها أقدم في الإنسان عهدا وأرسخ قدما - يقترح سبينوزا أن يضرب الإنسان عاطفة بعاطفة، أي أن يجعل من عواطفه التي ترتكز على أساس من العقل عدوا هادما للعواطف الأخرى التي لا تقوم على دعامة من العقل؛ وذلك لأنه يرى «أن العاطفة لا يمكن أن تكبت أو تدفع إلا بعاطفة أخرى مناقضة لها تكون أقوى منها.» وهكذا يتناصر العقل والمشاعر على الوصول إلى النتيجة المرجوة المحمودة، ثم يستطرد سبينوزا ويقرر «أن العاطفة لا تظل عاطفة إذا ما تكونت في الذهن فكرة عنها واضحة محددة.» وبعبارة أخرى كلما استطاع العقل أن يحول ما فيه من عواطف إلى أفكار صار أمتن أساسا وأبعد عن أن تزعزعه العواطف الجامحة، وشهوة الإنسان إن كان مصدرها الذي تولدت منه فكرة مبهمة ناقصة عدت عاطفة، أما إذا نشأت عن فكرة مضبوطة محددة واضحة كانت فضيلة محمودة. وبعبارة أوضح: كل ما يعمله الإنسان، ويكون مبنيا على أساس من العقل والتفكير - لا على المشاعر والعواطف - فهو عمل فاضل، وإذن فلا فضيلة عند سبينوزا إلا العقل.

ولعلك تلاحظ في «أخلاق» هذا الفيلسوف أنها قائمة على فكرته فيما وراء الطبيعة، فكما قرر في «الميتافيزيقا» أن الفلسفة الصحيحة تحاول أن تدرك القانون الكامن وراء الأشياء الجزئية التي تقع تحت الحس، فهو يقرر هنا كذلك أن الفلسفة يجب أن تضع قانونا ينتظم رغبات الإنسان المتنافرة، وبعدئذ يستطيع الإنسان أن يسلك سلوكا يتفق مع ما يمليه العقل الذي يعيننا على أن ننظر للمواقف المختلفة نظرة واسعة شاملة تنفذ - بعون الخيال - إلى أبعد النتائج. فبالعقل والخيال معا يمكن للإنسان أن يتنبأ بما عساه يحدث، وبهذا يستطيع أن يتحكم في مستقبله، وأن يحرر نفسه من كثير من القيود.

بهذا وحده تكفل للإنسان حريته؛ إذ الحرية الحقة هي سيطرة العقل وفاعليته، هي التخلص من أغلال العواطف العمياء التي لا تستنير بهدي العقل وإرشاده، فلن يكون الإنسان حرا إلا بقدر ما هو عالم عاقل،

6

Bilinmeyen sayfa