Modern Felsefenin Hikayesi
قصة الفلسفة الحديثة
Türler
The Improvement of the Intellect :
يستهل سبينوزا كتابه هذا بفصل هو من آيات الأدب الفلسفي. يحدثنا فيه عما دفعه إلى اعتناق الفلسفة دون ما عداها فيقول: «بعد أن علمتني التجربة أن كل ما يحدث في الحياة العادية عبث وباطل. ورأيت أن الأشياء التي كنت أخشاها، وكانت تخشاني ليس فيها خير أو شر إلا بمقدار ما يتأثر به العقل، اعتزمت أخيرا أن أبحث عما إذا كان هنالك شيء يصح أن يكون خيرا بحق، ويمكن للعقل أن يتأثر به إلى حد يستغني به عن كل شيء آخر، أقول إني اعتزمت أن أرى هل أستطيع أن أكشف وأن أبلغ المقدرة على التمتع بالسعادة السامية الدائمة الأبدية ... لقد وجدت في الشرف والثراء حسنات كثيرة لنا ... وأنه كلما ازداد ما يملكه الإنسان من أيهما ازدادت سعادته، وازداد تبعا لذلك تحمسا للاستزادة منهما، ولكن إن خاب أمل الإنسان فيهما يوما، أحس في نفسه أعمق الألم، وفي الشهرة كذلك هذا النقص العظيم، فإن نحن نشدناها وجب علينا أن نوجه حياتنا في طريق يتفق ورضا الناس، متجنبين ما يكرهونه، ملتمسين ما يبعث فيهم السرور، ولكن العقل لا يظفر بسعادته التي لا يشوبها الألم إلا إن توجه بحبه نحو شيء خالد غير محدود ... إن الخير الأسمى هو معرفة الاتحاد بين العقل وسائر الطبيعة كلها ... وكلما ازداد العقل علما ازداد فهما لقواه ولنظام الطبيعة، وكلما ازداد فهما لدوافعه وقواه ازداد مقدرة على توجيه نفسه، وعلى أن يضع القوانين لنفسه، وكلما ازداد فهما لنظام الطبيعة ازداد تمكنا من تحرير نفسه مما لا فائدة فيه، وتلك وحدها هي سبيل السعادة.»
إذن فالعلم قوة وحرية، والسعادة الدائمة هي في تحصيل المعرفة ولذة الفهم، وهنا تجابه سبينوزا مشكلة عويصة معقدة، هي: كيف أعلم أن ما حصلت من معرفة هي صحيحة؟ ومن يدريني أن حواسي صادقة فيما تنقل إلى الذهن من علم، وأن عقلي أمين على النتائج التي يستخلصها من أشتات الأحاسيس التي تقدمها له الحواس؟ إنه لجدير بنا حقا أن نختبر العربة قبل أن نسلم أنفسنا لها، فإن وجدنا بها عيبا أو نقصا تناولناه بالإصلاح، تفاديا لما قد يؤدي إليه من خطر، «فقبل كل شيء يجب علينا أن نفكر في طريقة لإصلاح العقل وتنقيته.» ويجب أن نفرق بين أنواع المعرفة كي لا نأخذ إلا أقومها وأوثقها.
فأول أنواع المعرفة هو ما جاء عن طريق الإشاعة، كعلمي بتاريخ ميلادي، وثانيها التجربة الغامضة الناقصة، كأن يعلم الطبيب علاجا، لا لأنه نتيجة لتجارب علمية مؤكدة، ولكن لأن ذلك العلاج المعين ينجح «عادة». وثالث أنواع المعرفة هو ما نصل إليه بطريق الاستدلال والاستنتاج، كأن نعتقد بكبر الشمس؛ لأننا شاهدنا أن الأشياء جميعا يصغر ظاهر حجمها كلما نأت عن الرائي، وهذه المعرفة أرقى من النوعين الأولين، ولكنها مع ذلك عرضة للتغيير والتبديل، وأسمى ألوان المعرفة نوع رابع هو ما ندركه بالبداهة، كأن نعلم على الفور أن 6 هو العدد المحذوف في النسبة الآتية 2 : 4 - 3:س، أو كما ندرك أن الكل أكبر من الجزء. ويعترف «سبينوزا» نفسه أن ما عرفه هو من هذا الضرب قليل، وهذه المعرفة البديهية هي إدراك الأشياء في علاقاتها الأبدية، ويصح أن يكون هذا تعريفا للفلسفة كما يراها، فالعلم البديهي إذن يحاول أن يرى وراء الأشياء والحوادث التي تقع تحت حواسه قوانينها وعلاقاتها الخالدة، إذ يفرق «سبينوزا» بين النظام الزائل المؤقت - وأعني به عالم الأشياء والحوادث - وبين النظام الخالد، وهو عالم القوانين التي تسير وفقها تلك الأشياء والحوادث. (3)
الأخلاق:
ننتقل الآن إلى دراسة كتاب «الأخلاق» الذي لا نبالغ إن زعمنا أنه أنفس ما أنتجته الفلسفة الحديثة على الإطلاق، وقد كتبه «سبينوزا» على نحو ما تكتب البراهين الهندسية، رجاء أن تتضح أفكاره وضوح نظريات الهندسة، فكانت النتيجة أن جاء الكتاب موجزا غامضا، يعسر فهمه على الكثرة الغالبة من القراء المستنيرين، ويزيده غموضا أن فيلسوفنا لم يجر في استعمال المصطلحات الفلسفية مجرى غيره من الفلاسفة، بل غير فيها وبدل، فلن يجدي عليك شيئا أن تقرأ كتاب «الأخلاق» كما تقرأ سائر الكتب، بل لا بد لك أن تقف عند كل سطر وكل عبارة وقفة طويلة لتسيغ معناها،
3
فقد أبى الفيلسوف إلا أن يضغط فكر العصر كله في مائتي صفحة كتبها بطريقة كتابة النظريات الهندسية، فجاء كل جزء من أجزاء الكتاب معتمدا على ما سبقه، وإذن فلن تفهم من الكتاب شيئا إلا إذا قرأته كله وفهمته كله حق الفهم، وعن ذلك يقول «سبينوزا» في هذا الكتاب نفسه: «هنا سيرتبك القارئ بغير شك، وسيذكر أشياء كثيرة ستنتهي به إلى الوقوف والحيرة، وإني لهذا أرجوه أن يسير معي في تؤدة، وألا يكون لنفسه حكما على هذه الأشياء إلا إذا فرغ من قراءة الكتاب كله.» وها نحن أولاء نتناول بالشرح الموجز ما جاء في هذا الكتاب: (أ)
الطبيعة والله:
يذهب «سبينوزا» إلى أن في الكون حقيقة شاملة يسميها جوهرا
Bilinmeyen sayfa