وكان المنصور جديرا بلقبه الذي ناله بحق بعد إحدى هذه المواقع، وبتوالي الغارات على الشمال.
بقي أمراء المسيحية مغلولي الأيدي، وخضعت ليون والممالك المتاخمة لها، وأدت الإتاوات إلى قرطبة؛ فقد تكررت هزائم قشتالة وبرشلونة ونافار، واستولى المنصور على ليون، وبنبلونة، وبرشلونة، وشنت ياقوب، وحمل مرة ملك نافار على أن يجثو أمامه ذليلا على ركبتيه؛ لأن الوزير - وهو لا يتجاوز عن شيء - علم أن امرأة مسلمة مأسورة بمملكته، فأطلقت في الحال مع كثير من ضروب الذلة والاعتذار.
وحدث مرة أن المنصور كان يحارب في الشمال، فسد جيش النصارى عليه وعلى جيشه الطريق إلى قرطبة، واحتلوا موقعا حصينا لا ينال، فلم يفت ذلك في عضده، وأمر جنوده أن يعيثوا بأرض الأعداء حولهم، وأن يجمعوا ما يستطيعون لبناء الخيام واستقرار الإقامة، ولم يجرؤ النصارى على منازلتهم؛ لأنهم وثقوا من أنهم سييأسون ويسلمون، ولكنهم دهشوا حينما رأوهم يقيمون المعسكرات ويحرثون الأرض ويزرعونها، وحينما سألوهم في عجب واستنكار عما يعملون، كان الجواب الهادئ: «إننا رأينا أن الوقت لا يتسع للعودة إلى قرطبة لأن موعد الغزوة الثانية أصبح قريبا؛ لهذا عزمنا على الإقامة هذه الفترة القصيرة.» ففزع النصارى وهالهم أن يكون احتلال المسلمين دائما، ونزلوا من معاقلهم وفتحوا الطريق لهم ليعودوا إلى قرطبة آمنين محملين بما نالوه من نفل، وزاد بهم الخوف فأعطوهم كثيرا من الحقائب والبغال ليحملوا عليها الغنائم
إن المنصور الذي لم تغلبه الرجال غلبه الموت!!
فإنه مرض ومات بمدينة سالم
14
حينما كان في آخر غزواته المظفرة لقشتالة،
15
وتنفس النصارى الصعداء لموته، ودل على هذا الارتياح عبارة موجزة دونها أحد الرهبان في تقويمه، وهي «في سنة 1002 مات المنصور، ودفن في الجحيم.»
هوامش
Bilinmeyen sayfa